ثم قالوا: ليس للخصم ان يقول: لو كان ذلك متواترا لوجب أن يكون ضروريا عند كافة الخلق لما ان هذه الوقائع من الوقائع الكبار التي تتوفر الدواعي على نقالها ولما اختصصتم بالعلم به دون غيركم لان لنا ان نجيب عن ذلك بان شرط التواتر ان لا يكون قد سبق إلى اعتقاد السامع له شبهة تقليد نفى موجب الخبر المنقول فإنه لو سبق إلى اعتقاده ذلك لم يعتقد صحته لعدم امكان اعتقاد صحة الخبر مع اعتقاد صحة ما ينافيه فلعل الخصم لرسوخ نقائض هذه الأخبار في ذهنه لا يعتقد صحتها.
الطريق الثاني وهو (1) الأقرب إلى الانصاف ان هذه الأخبار غير متواترة لفظا لكنا نقول: انها متواترة تواترا معنويا بمعنى انا نعلم بالضرورة عند سماع هذه الأخبار الكثيرة المختلفة الطرق مع اتفاقها على اثبات هذين النوعين من الكرامات له علما جمليا انها بأجمعها لا تكون كاذبة بل لابد من صدق شئ منها وايها صدق ففيه تمام الغرض من اثبات هذه المطالب.
ثم اعلم أنه لا يمكنك أيها الملاحظ لجلال الله المتحري سلوك الصراط المستقيم ان تستنكر بصريح عقلك شيئا من ذلك بعد أن أعلمناك امكانه من مذاهب الطبيعة وأشرنا لك إلى (2) أسبابه الكلية في القسم الأول ولعل في قوتك امكان هذه الأمور أو شئ منها لو قد اخذ التوفيق بزمام عقلك فأيقظك من رقدة (3) الطبيعة فاطلعت على خيانة أعدائك الذين هم في صورة أصدقاءك وغاشيك الذين هم في زي نصحائك فقهرتهم (4) حتى انقادوا خلفك إلى بساط الكرامة وحلول (5) دار المقامة فانى أحسبك حينئذ تعلم جلية ما اشتبه الان (6) خبره وحقيقة ما انطمس عن عينيك اثره.