أما هبة الغائب ورهنه، فالأولى فيهما الصحة، لأنهما ليسا من عقود المغابنات، بل الواهب والراهن مغبونان لا محالة، والمتهب والمرتهن غابنان لا محالة، فلا خيار إذا صححناهما عند الرؤية، إذ لا حاجة إليه.
وأما بيع الأعمى وشراؤه، فإنهما صحيحان كالبصير، بشرط معرفته بالوصف، فإن ظهر على خلاف ما وصف له، كان له الخيار، لأنه تمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته، فأشبه بيع البصير وشراؤه، والأحوط التوكيل في البيع والشراء. ويجوز أن يوكل الصحيح من يختار له الفسخ والإمضاء عند مخالفة الوصف، كما يجوز التوكيل في خيار العيب.
وللأعمى أن يقبض لنفسه ما اشتراه بالوصف، وإن لم يتميز بين المستحق وغيره إخلادا إلى قول البائع.
ويجوز أن يبيع ويشتري سلما وغيره بالوصف، سواء عمى بعد التمييز أو قبله ولم يعرف الألوان، لأنه يعرفها بالسماع وتخيل الفرق بينها.
وإذا اشترى غائبا رآه قبل العقد، أو باع كذلك، فإن كان مما لا يتغير غالبا، كالأراضي والأواني والحديد والنحاس ونحوها، أو كان لا يتغير بالمدة المتخللة بين الرؤية والعقد، صح العقد لحصول العلم الذي هو المقصود، فإن وجده كما رآه فلا خيار.
وإن وجده متغيرا، احتمل البطلان لسبق انتفاء المعرفة، والأقوى الصحة لبناء العقد في الأصل على ظن غالب، ولكن له الخيار، ولا نعني بالتغير التعيب، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة، ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية، فكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط.
ولو كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا، كما لو رأى ما يسري إليه الفساد من الأطعمة، ثم اشتراه بعد مدة كثيرة، فالبيع باطل، للعلم بتغير الصفة فيبقى مجهولا.
ولو احتمل الأمران أو كان المبيع حيوانا، فالأصح الصحة، لظهور بقائه