المطلب الثاني (الانتفاع) يشترط كون المبيع مما ينتفع به منفعة معتبرة في نظر العقلاء شائعة في نظر الشرع، فإن ما لا منفعة فيه لا يعد مالا، فكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل.
ولخلو الشئ عن المنفعة سببان: القلة والخسة، فالقلة كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيبة الواحدة، لأن ذلك لا يعد مالا، ولا يبذل في مقابلته المال، ولا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدر إلى أمثاله، ولا إلى ما بفرض من وضع الحبة الواحدة في فم القمح، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء في ذلك.
ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير، وإلا لانجر ذلك إلى أخذ الكثير، فإن أخذ الحبة آخذ، وجب الرد، فإن تلفت احتمل الضمان بالمثل، لأنه من ذوات الأمثال، وعدمه لأنه لا مالية لها.
وأما الخسة كالحشرات كالفأر والحيات والخنافس والعقارب والنمل والذباب ونحوها، ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص، فإن تلك المنافع لا تلحقها بما يعد في العادة مالا. وفي معناها السباع التي لا تصلح للاصطياد والقتال عليها، كالأسد والذئب والنمر. ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة، فليس هي من المنافع المعتبرة. ويحتمل جواز بيع السباع كلها لفائدة الانتفاع بجلودها عند الذكاة.
ولا يجوز بيع الحداة والرحمة وإن كان في أجنحة بعضها فائدة، وكذا بيضها. وكذا المسوخ لا يجوز بيعها كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع، وكذا الدب. وكذا المسوخ البحرية، كالجري والسلاحف والتمساح.
والأقرب جواز بيع كل ما ينتفع بجلده عند الذكاة، لتوقع الانتفاع بجلودها في المال، فصار كالطفل الرضيع، وفي رواية عن الصادق عليه السلام