وأكثرهم احتياطا في الدين، وأبعدهم عن القول بالرأي في دين الله عز وجل، وكان لا يضع مسألة في العلم حتى يجمع أصحابه عليها ويعقد عليها مجلسا، فإذا اتفق أصحابه كلهم على موافقتها للشريعة قال لأبي يوسف أو غيره: ضعها في الباب الفلاني اه. كذا في الميزان للامام الشعراني قدس سره. ونقل ط عن مسند الخوارزمي أن الامام اجتمع معه ألف من أصحابه، أجلهم وأفضلهم أربعون قد بلغوا حد الاجتهاد، فقربهم وأدناهم وقال لهم: إني ألجمت هذا الفقه وأسرجته لكم فأعينوني، فإن الناس قد جعلوني جسرا على النار، فإن المنتهي لغيري، واللعب على ظهري، فكان إذا وقعت واقعة شاورهم وناظرهم وجاورهم وسألهم، فيسمع ما عندهم من الاخبار والآثار ويقول ما عنده ويناظرهم شهرا أو أكثر حتى يستقر آخر الأقوال فيثبته أبو يوسف، حتى أثبت الأصول على هذا المنهاج شورى، لا أنه تفرد بذلك كغيره من الأئمة اه. قوله: (إن توجه لكم دليل) أي ظهر لكم في مسألة وجه الدليل على غير ما أقول ط. قوله: (فقولوا به) وكان كذلك، فحصل المخالفة من الصاحبين في نحو ثلث المذهب، لاحد الأكثر في الاعتماد على قول الإمام ط.
قوله: (فكان كل يأخذ برواية عنه) أي فليس لأحد منهم قول خارج عن أقواله، ولذا قال في الولوالجية من كتاب الجنايات: قال أبو يوسف: ما قالت قولا خالفت فيه أبا حنيفة إلا قولا قد كان قاله. وروي عن زفر أنه قال: ما خالفت في شئ إلا قد قاله ثم رجع عنه. فهذه إشارة إلى أنهم ما سلكوا طريق الخلاف، بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأي اتباعا لما قاله أستاذهم أبو حنيفة اه.
وفي آخر الحاوي القدسي: وإذا أخذ بقول واحد منهم يعلم قطعا أنه يكون به آخذا بقول أبي حنيفة. فإنه روى عن جميع أصحابه من الكبار كأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن أنهم قالوا: ما قلنا في مسألة قولا إلا وهو روايتنا عن أبي حنيفة، وأقسموا عليه أيمانا غلاظا فلم يتحقق إذا في الفقه جواب ولا مذهب إلا له كيفما كان، وما نسب إلى غيره إلا بطريق المجاز للموافقة اه.
فإن قلت: إذا رجع المجتهد عن قول لم يبق قولا له، بل صرح في قضاء البحر بأن ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه، وأن الرجوع عنه ليس قولا له اه. وفيه عن التوشيح أن ما رجع عنه المجتهد لا يجوز الاخذ به، فإذا كان كذلك فما قاله أصحابه مخالفين له فيه ليس مذهبه، فحينئذ صارت أقوالهم مذاهب لهم، مع أنا التزمنا تقليد مذهبه دون مذهب غيره، ولذا نقول إن مذهبنا حنفي لا يوسفي ونحوه.
مطلب صح عن الامام أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي قلت: قد يجاب بأن الامام لما أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتجه لهم منها عليه الدليل صار ما قالوه قولا له لابتنائه عن قواعده التي أسسها لهم، فلم يكن مرجوعا عنه من كل وجه، فيكون من مذهبه أيضا، ونظير هذا ما نقله العلامة ببري في أول شرحه على الأشباه عن شرح الهداية لان الشحنة، ونصه: إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنيفا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث