المنصور فامتنع فحسبه، وكان يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط وينادي عليه في الأسواق، ثم ضرب ضربا موجعا حتى سال الدم على عقبه ونودي عليه وهو كذلك، ثم ضيق عليه تضييقا شديدا حتى في مأكله ومشربه، فبكى وأكد الدعاء، فتوفي بعد خمسة أيام. وروى جماعة أنه دفع إليه قدح فيه سم فامتنع وقال: لا أعين على قتل نفسي، فصب فيه قهرا، قيل إن ذلك بحضرة المنصور.
وصح أنه لما أحس بالموت سجد فمات وهو ساجد.
قيل: والسبب في ذلك أن بعض أعدائه دس إلى منصور أنه هو الذي أثار عليه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنهم الخارج عليه بالبصرة، فطلب منه القضاء مع علمه بأنه لا يقبله ليتوصل إلى قتله اه. ملخصا من [الخيرات الحسان] لابن حجر وذكر التميمي أن الخطيب روى بسنده أن أبا هبيرة (1) كان عامل مروان على العراق، فكلم أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبي، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط ثم خلى سبيله. وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم عليه، خصوصا بعد أن ضرب هو أيضا اه. فالظاهر تعدد القصة.
وبنو مروان قبل المنصور فإنه من بنى العباس، فقصة أبي هبيرة كانت أولا، والله أعلم. وقوله: (وله) أي من العمر. قوله: (بتاريخ) متعلق بقوله توفي، فما قبله بيان المكان، وهذا بيان الزمان.
مطلب في مولد الأئمة الأربعة ووفاتهم ومدة حياتهم فائدة، قد عملت أن أبا حنيفة ولد سنة 80 ومات سنة 150. وعاش 70 سنة. وقد ولد الامام مالك سنة 90 ومات سنة 179 وعاش 89 سنة. والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 وعاش 54 سنة. وأحمد ولد سنة 164 ومات سنة 241 وعاش 77 سنة، وقد نظم جميع ذلك بعضهم مشيرا إليه بحروف الجمل، لكل إمام منهم ثلاث كلمات على هذا الترتيب فقال:
تاريخ نعمان يكن سيف سطا * ومالك في قطع جوف ضبطا والشافعي صين ببرند * وأحمد بسبق أمر جعد فاحسب على ترتيب نظم الشعر * ميلادهم فموتهم كالعمر قوله: (فأجابه الخ) لله در هذا الصبي ما أحكمه حيث علم أن سقوطه وإن تضرر به جسده وحده لكنه لا يضر في الدين فكأنه ليس بسقوط، بخلاف سقوط العالم في طريق الحق، فإنه إذا كان قبل بذل المجهود في نيل المقصود يلزم منه سقوط غيره ممن اتبعه أيضا، فيعود ضررهم عليه وذلك ضرر في الدين، على حد قوله تعالى (فإنها لا تعمى الابصار) الآية: أي العمى الضار ليس عمى الابصار وإنما هو عمى القلوب. قوله: (فحينئذ الخ) روي الإمام أبو جعفر الشيراماذي عن شقيق البلخي أنه كأن يقول: كان الإمام أبو حنيفة من أورع الناس، أعبد الناس وأكرم الناس،