داود، وقد انقرض في القرن الخامس، فأولت ذلك بطول زمن العمل بمذاهبهم وقصره، فكما كان مذهب الامام أبي حنيفة أول المذاهب المكونة، فكذلك بكون آخرها انقراضا:، وبذلك قال أهل الكشف اه. لكن لا دليل في ذلك على أن نبي الله عيسى نبينا وعليه الصلاة والسلام يحكم بمذهب أبي حنيفة، وإن كان العلماء موجودين في زمنه فلا بد له من دليل، لهذا قال الحافظ السيوطي في رسالة سماها الاعلام ما حاصله: إن يقال إنه يحكم بمذهب من المذاهب الأربعة باطل لا أصل له، وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الأمة لا يجوز له التقليد، وإنما يحكم بالاجتهاد، أو بما كان يعلمه قبل من شريعتنا بالوحي: أو بما تعلمه منها وهو في السماء، أو أنه ينظر في القرآن فيفهم منه كما كان يفهم نبينا عليه الصلاة والسلام اه. واقتصر السبكي على الأخير.
وذكر ملا على القاري أن الحافظ ابن حجر العسقلاني سئل: هل ينزل عيسى عليه السلام حافظا للقرآن أو يتلقاهما عن علماء ذلك الزمان؟ فأجاب: لم ينقل في ذلك شئ صريح، والذي يليق بمقامه عليه الصلاة والسلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله (ص) فيحكم في أمته كما تلقاه منه لأنه في الحقيقة خليفة عنه اه.
وما يقال: إن الإمام المهدي يقلد أبا حنيفة، رده ملا على القاري في رسالته: المشرب الوردي في مذهب المهدي، وقرر فيها أنه مجتهد مطلق، ورد فيها ما وضعه بعض الكذابين من قصة طويلة. حاصلها: أن الخضر عليه السلام تعلم من أبي حنيفة الأحكام الشرعية، ثم علمها للامام أبي القاسم القشيري، وأن القشيري صنف فيها كتبا وضعها في صندوق: وأمر بعض مريديه بإلقائه في جيحون، وأن عيسى عليه السلام بعد نزوله يخرجه من جيحون ويحكم بما فيه، وهذا كلام باطل لا أصل له، ولا تجوز حكايته إلا لرده كما أوضحه ط وأطال في رده وإبطاله فراجعه. قوله: (وهذا) أي ما تقدم من الأحاديث، ومن كثرة المناقب، ومن كون الحكم لأصحابه وأتباعه ط. قوله: (سائر) بمعنى باقي أو جميع على خلاف بسطه في درة الغواص. قوله: (كيف لا) أي كيف لا يختص بأمر عظيم. قوله: (وهو كالصديق) وجه الشبه أن كلا منهما ابتدأ أمرا لم يسبق إليه، فأبو بكر رضي الله عنه ابتدأ جمع القرآن بعد وفاته (ص) بمشورة عمر، وأبو حنيفة ابتدأ تدوين الفقه كما قدمناه، أو أن أبا بكر أول من آمن من الرجال وفتح باب التصديق، كذا في حواشي الأشباه. قال شيخنا البعلي في شرحه عليها: والأول أولى، لان وجه الشبه به أتم، وقول من قال الثاني هو الظاهر، لان القرآن بعد ما جمع لا يتصور جمعه غير ظاهر، فإنه قد جمع ثانيا والجامع له عثمان رضي الله تعالى عنه، فإن الصديق رضي الله تعالى عنه لم يجمعه في المصاحف، وجمعه عثمان كما هو معلوم اه. تأمل.
قوله: (له) أي للامام أجره: أي أجر عمل نفسه، وهو تدوين الفقه واستخراج فروعه ط. قوله:
(وأجر) أي ومثل أجر من دون الفقه، أي جمعه، وأصله من التدوين: أي جعله في الديوان، وهو بكسر وفتح اسم لما يكتب فيه أسماء الجيش للعطاء، وأول من أحدثه عمر رضي الله عنه ثم أريد به مطلق الكتب مجازا أو منقولا اصطلاحيا، وقوله (وألفه) عطف على دونه م من عطف الخاص علي العام اه. بعلى لان التأليف جمع وجه الألفة.