الصحبة، فلم يكن في العلم والاجتهاد ونشر الدين وتدوين أحكامه كأبي حنيفة، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، وسمي ذلك بناء على أن المراد بالتحدي في تعريف المعجزة هو دعوى الرسالة، وهو قول المحققين كما في المواهب. وقيل: المراد به طلب المعارضة والمقابلة، وعليه فذلك كرامة لا معجزة، فافهم. قوله: (بعد القرآن) متعلق بأعظم، أي لأنه أعظم المعجزات على الاطلاق، لأنه معجزة مستمرة دائمة الاعجاز وقيد بذلك، وإن عبر بمن التبعيضية لئلا يتوهم مساواة هذه المعجزات لتلك، فإن المشاركة في الأعظيمة تصدق بالمساواة، فتدبر. قوله: (اشتهار مذهبه) أي في عامه بلاد الاسلام، بل في كثير من الأقاليم والبلاد لا يعرف إلا مذهبه، كبلاد الروم والهند والسند وما وراء النهر وسمرقند.
وقد نقل أن فيها تربة المحمدين، ودفن فيها نحو من أربعمائة نفس كل منهم يقال له محمد، صنف وأفتى وأخذ عنه الجم الغفير. ولما مات صاحب الهداية منعوا دفنه بقربها. وروي أنه نقل مذهبه نحو من أربعة آلاف نفر، ولا بد أن يكون أصحاب، وهلم جرا.
وقال ابن حجر: قال بعض الأئمة: لم يظهر لاحد من أئمة المسلمين المشهورين مثل ما ظهر لأبي حنيفة من الأصحاب والتلاميذ، ولم ينتفع العلماء وجميع الناس بمثل ما انتفعوا به وبأصحابه، في تفسير الأحاديث المشتبهة، والمسائل المستنبطة، والنوازل والقضايا والاحكام، جزاهم الله تعالى الخير التام. وقد ذكر منهم بعض المتأخرين المحدثين في ترجمته ثمانمائة مع ضبط أسمائهم ونسبهم بما يطول ذكره اه. قوله: (قولا) أي سواء ثبت عليه أو رجع عنه ط. قوله: (إلا أخذ إمام) أي من أصحابه تبعا له، فإن أقوالهم مروية عنه كما سيأتي، أو غيرهم من المجتهدين موافقة في اجتهاده لان المجتهد لا يقلد مجتهدا أفاده ط. قوله: (من زمنه إلى هذه الأيام) فالدولة العباسية وإن كان مذهبهم مذهب جدهم، فأكثر قضائها ومشايخ إسلامها حنفية، يظهر ذلك لمن تصفح كتب التواريخ وكان مدة ملكهم خمسمائة سنة تقريبا.
أما الملوك السلجوقيون وبعدهم الخوارزميون، فكلهم حنيفيون وقضاة ممالكهم غالبا حنيفة.
أما ملوك زماننا سلاطين آل عثمان، أيد الله تعالى دولتهم ما كر الجديدان، فمن تاريخ تسعمائة إلى يومنا هذا لا يولون القضاء وسائر مناصبهم إلا للحنيفة، قاله بعض الفضلاء. وليس في كلام الشارح ادعاء التخصيص في جميع الأماكن والأزمان، حتى يرد أن القضاء بمصر كان مختصا بمذهب الإمام الشافعي إلى زمن الظاهر بيبرس البندقداري، فافهم. قوله: (إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام) تبع فيه القهستاني، وكأنه أخذه مما ذكره أهل الكشف أن مذهبه آخر المذاهب انقطاعا، فقد قال الامام الشعراني في الميزان ما نصه: قد تقدم أن الله تعالى لما من علي بالاطلاع على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها:، ورأيت مذاهب الأئمة تجري جداولها كلها، ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة، ورأيت أطول الأئمة جدولا الامام أبا حنيفة، ويليه الامام مالك، ويليه الإمام الشافعي، ويليه الإمام أحمد، وأقصرهم جدولا الامام