ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما * وللناس قال باطنون وقيل من انتصر للامام رحمة الله تعالى العلامة السيوطي في كتاب سماه [تبييض الصحيفة] والعلامة ابن حجر في كتاب سماه الخيرات الحسان، والعلامة يوسف بن عبد الهادي الحنبلي في مجلد كبير سماه [تنوير الصحيفة]، وذكر فيه عن ابن عبد البر: لا يتكلم في أبي حنيفة بسوء ولا تصدقن أحدا يسئ القول فيه، فإني والله ما رأيت أفضل ولا أروع ولا أفقه من منه. ثم قال: ولا يغتر أحد بكلام الخطيب، فإن عنده العصبية الزائدة على جماعة من العلماء كأبي حنيفة والإمام أحمد وبعض أصحابه، وتحامل عليهم بكل وجه، وصنف فيه بعضهم [السهم المصيب في كبد الخطيب].
أما ابن الجوزي فإنه تابع الخطيب، وقد عجب سبطه منه حيث قال في [مرآة الزمان]: وليس العجب من الخطيب فإنه طعن في جماعة من العلماء، وإنما العجب من الجد كيف سلك أسلوبه وجاء بما هو أعظم. قال: ومن المتعصبين على أبي حنيفة الدارقطني وأبو نعيم، فإنه لم يذكره في الحلية وذكر من دونه في العلم والزهد اه.
ومن انتصر له العارف الشعراني في الميزان بما يتعين مطالعته، قال في الخيرات الحسان:
ويفرض صحة ما ذكره الخطيب من القدح عن قائله فلا يعتد به، فإنه إن كان من غير أقران الامام فهو مقلد لما قاله أو كتبه أعداؤه أو من أقرانه فكذلك، لان قول الاقران بعضهم في بعض غير مقبول كما صرح به الذهبي والعسقلاني، قالا: ولا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب، إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمة الله تعالى. قال الذهبي: وما علمت أن عصرا سلم أهله من ذلك إلا عصر النبيين عليهم الصلاة والسلام والصديقين. وقال التاج السبكي: ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، ولا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، والا فاضرب صفحا، فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد والحارث المحاسبي، وذكر كلام كثيرين من نظراء مالك فيه، وكلام ابن معين في الشافعي، قال: وما مثل من تكلم فيهما وفي نظائرهما إلا كما قال الحسن بن هانئ: يا ناطح الجبل العالي ليكلمه * أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل اه. ملخصا. وقد أطال في ذلك وفي ذكر من أنثى على الامام من أئمة السلف وممن بعدهم، وما نقلوه من سعة علمه وفهمه وزهده ورعه وعبادته واحتياطه وخوفه، وغير ذلك مما يستدعي مؤلفات، وما ينسب إلى الامام الغزالي يرده ما ذكره في إحيائه المتواتر عنه حيث ترجم الأئمة الأربعة وقال: وأما أبو حنيفة فلقد كان أيضا عابدا زاهدا بالله تعالى، خائفا منه، مريدا وجه الله تعالى بعلمه الخ.
أقول: ولا عجب من تكلم السلف في بعضهم كما وقع للصحابة، لأنهم كانوا مجتهدين فينكر