بعضهم على ما خالف الاخر سيما إذا قام عنده ما يدل له على خطأ غيره، فليس قصدهم إلا الانتصار للدين لا لأنفسهم، وإنما العجب ممن يدعي العلم في زماننا ومأكله وملبسه وعقوده وأنكحته وكثير من تعبداته يقلد فيها الامام الأعظم ثم يعطن فيه وفي أصحابه، وليس مثله إلا كمثل ذبابه وقعت تحت ذنب جواد في حالة كره وفره، وليت شعري لأي شئ يصدق ما قيل في أبي حنيفة ولا يصدق ما قبل في إمام مذهبه؟ ولم لا يقلد إمام مذهبه في أدبه مع هذا إلامام الجليل؟ فقد نقل العلماء ثناء الأئمة الثلاثة علي أبي حنيفة وتأديهم معه، ولا سيما الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، والكامل لا يصدر منه إلا الكمال، والناقص بضده. ويكفي المعترض حرمانه بركة من يعترض عليه، أعاذنا الله من ذلك، وأدامنا على حب سائر المجتهدين وجميع عباده الصالحين، وحشرنا في زمرتهم يوم الدين.
ومما روي من تأدبه معه أنه قال: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجئ إلى قبره، فإذا عرضت حاجة صليت ركعتين وسألت الله تعالى عند قبره فتقضى سريعا.
وذكر بعض من كتب على المنهاج أن الشافعي صلى الصبح عند قبره فلم يقنت، فقيل له:
لم؟ قال: تأدبا مع صاحب هذا القبر. وزاد غيره أنه لم يجهر بالبسملة.
وأجابوا عن ذلك بأنه قد يعرض للسنة ما يرجح تركها عند الاحتجاج إليه كرغم أنف حاسد، وتعليم جاهل ولا شك أن أبا حنيفة كان له حساد كثيرون، والبيان بالفعل أظهر منه بالقول، فما فعله الشافعي رضي الله عنه أفضل من فعل القنوت والجهر.
أقول: ولا يخفي عليك أن ذلك الطاعن الأحمق طاعن في أمام مذهبه، ولذا قال في الميزان:
سمعت سيدي عليا الخواص رحمة الله تعالى مرارا يقول: يتعين على أتباع الأئمة أن يعظموا كل من مدحه إمامهم لان إمام المذهب إذا مدح عالما وجب على جميع أتباعه أن يمدحوه تقليدا لامامهم، وأن ينزهوه عن القول في دين الله بالرأي، وقال أيضا: لو أنصف المقلدون للامام مالك والشافعي لم يضعف أحد منهم قولا من أقوال أبي حنيفة بعد أن سمعوا مدح أئمتهم له، ولو لم يكن من التنويه برفعة مقامه إلا كون الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ترك القنوت في الصبح لما صلى عند قبره لكان فيه كفاية في لزوم أدب مقلديه اه. قوله: (وصنف غيره) كالامام الطحاوي والحافظ الذهبي والكردري وغيرهم ممن قدمناهم. قوله: (من أعظم معجزات الخ) لأنه (ص) قد أخبر به قبل وجوده بالأحاديث الصحيحة التي قدمناها، فإنها محمولة عليه بلا شك كما قدمناه عن الشامي صاحب السيرة وشيخه السيوطي، كما حمل الحديث: (لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما) على الإمام الشافعي، لكن حمله بعضهم على ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو حقيق بذلك، فإنه حير الأمة وترجمان القرآن، وكما حمل حديث (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة) على الامام مالك، لكنه محتمل لغيره من علماء المدينة المنفردين في زمنهم بخلاف تلك الأحاديث فإنها ليس لها محمل إلا أبو حنيفة وأصحابه كما أفاده ط. أما سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه، فهو وإن كان أفضل من أبي حنيفة من حيث