وقال أيضا: وقد وردت أحاديث صحيحة تشير إلى فضله: منها قوله (ص) فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة والطبراني عن ابن مسعود أن النبي (ص) قال: (لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس). ورواه أبو نعيم عن أبي هريرة والشيرازي والطبراني عن قيس بمن سعد بن عبادة بلفظ أن النبي (ص) قال (لو كان العلم مطلقا عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس). ولفظ الطبراني عن قيس (لا تناله العرب لنا له رجال من أبناء فارس). وفي رواية مسلم عن أبي هريرة (لو كان الايمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله). وفي رواية للشيخين عن أبي هريرة (والذي نفسي بيده لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجل من فارس) وليس المراد بفارس البلاد المعروفة: بل جنس من العجم وهم الفرس، لخبر الديلمي (خير العجم فارس) وقد كان جد أبي حنيفة من فارس، على ما عليه الأكثرون. قال الحافظ السيوطي: هذا الحديث الذي رواه الشيخان أصل صحيح يعتمد عليه في الإشارة لأبي حنيفة، وهو متفق على صحته، وبه يستغني عما ذكره أصحاب المناقب ممن ليس له دراية في علم الحديث: فإن في سنده كذابين ووضاعين اه. ملخصا وفي حاشية الشبراملسي على المواهب عن العلامة الشامي تلميذ الحافظ السيوطي قال: ما جزم به شيخنا من أن أبا حنيفة هنو المراد من هذا الحديث ظاهر لا شك فيه، لأنه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغه أحد اه. قوله: (التستري) إمام عظيم رضي الله عنه: كأن يقول: إني لاعهد الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر، وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن أخرجهم الله إلى عالم الشهود والظهور. قوله: (لما تهودوا الخ) أي لما داموا على دينهم الباطل واعتقادهم العاطل: لم يقبلوا ما أدخله عليهم علماؤهم من الدسائس فأعموهم عما جاء به نبينا من النفائس فإنهم لم يقبلوا ذلك إلا لعقلهم الفاسد، ورأيهم الكاسد، فلو كان فيهم مثله غزير العلم، ثاقب الفهم، قائما بالصدق، عارفا بالحق، لرد جميع ذلك، وأنقذهم من المهالك، قبل غلوهم وتمكن الشبه في عقولهم: فإن كونه واحدا منهم يكون لكلامه أقبل فإن الجنس أميل، فلا يلزم تفضيله على نبينا المكرم (ص) فافهم. قوله (ومناقبه أكثر من أن تحصي) هذا من مشكل التراكيب، فإن ظاهره تفضيل الشئ في الأكثرية على الاحصاء ولا معنى له، ونظائره كثيرة قل من يتنبه لاشكالها، ووجه بأوجه متعددة بينتها في رسالتي المسماة بالفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة: أحسنها ما ذكره الرضي أنه ليس المراد التفضيل بل المراد البعد عن الكثرة، ف (من) متعلقه بأفعل التفضيل بمعنى تجاوز وباين بلا تفضيل. قوله: (سبط) قيل: الأسباط الأولاد خاصة، وقيل أولاد الأولاد، وقيل أولاد البنات، نهاية الحديث، والمشهور الثالث. قوله: (وسماه الانتصار) إنما سماه بذلك لان الامام رضي الله عنه لما شاعت فضائله وعمت الخافقين فواضله، جرت عليه العادة القديمة من إطلاق ألسنة الحاسدين فيه حتى طعنوا في اجتهاده وعقيدته بما هو مبرأ منه قطعا لقصد أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، كما تكلم بعضهم في مالك، وبعضهم في الشافعي، وبعضهم في أحمد، بل قد تكلمت فرقة في أبي بكر وعمر، فرقة في عثمان وعلي، وفرقة كفرت كل الصحابة:
(٥٧)