قال الغزالي إذا امر السلطان بدفع شئ من خزانته لانسان يستحق في بيت المال شيئا وعلم أن الخزانة فيها الحلال والحرام كما هو الغالب في هذه الأزمان والحلال في أيدي سلاطين هذه الأزمان عزيز أو معدوم (1) وإذا كان محتملا كونه من الحلال أو كونه من الحرام فقد قال قوم يجوز أخذه ما لم يتيقن أنه حرام وقال آخرون لا يجوز حتى يتحقق أنه حلال قال وكلاهما اسراف والأعدل أنه إن كان الأكثر حراما حرم وإن كان حلالا ففيه توقف هذا كلام الغزالي وهو جار على اختياره أنه إذا كان المختلط أكثره حراما حرم الاخذ منه وقد قدمنا ان المشهور أنه مكروه وليس بحرام وهكذا مثال خزانة السلطان يكون مكروها قال الغزالي واحتج من جوزه بأن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أخذوا من السلاطين الظلمة ونوابهم الظلمة منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو أيوب وزيد بن ثابت وجرير بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وانس والمسور ابن مخرمة والحسن البصري والشعبي وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى والشافعي وأخذ ابن عمر من الحجاج والشافعي من هارون الرشيد وأخذ مالك من الخلفاء أموالا كثيرة وإنما ترك من ترك منهم الاخذ تورعا * وعن ابن عمر أنه قبل هدية المختار ابن عبيد وزعمت هذه الفرقتان ما نقل من امتناع جماعة لا يدل على التحريم كما أن الخلفاء الراشدين وابازر وآخرين من الزهاد تركوا الحلال المطلق الذي لا شبهة فيه زهدا * قال الغزالي والجواب عن هذا أنه قليل محصور بالإضافة إلى ما نقل من ردهم وانكارهم أو يحمل على أنهم تحققوا أن ذلك القدر المصروف إليهم من جهة حلال فحينئذ يكون المدفوع إليهم حلال ولا يضرهم كون يد السلطان مشتملة على حرام منفصل عن هذا أو يحمل على أنهم أخذوه وصرفوه في مصارف بيت المال وقد قال جماعة منهم أخذناه كله وصرفنا إياه في المحتاجين خير من تركه في يد السلطان ولهذا قال ابن المبارك ان الذين يأخذون اليوم الجوائز ويحتجون بان عمر وعائشة لا يقتدون بهما لان ابن عمر فرق ما أخذ حتى استقرض في مجلسه بعد أن فرق ستين ألفا وكذا فعلت عائشة رضي الله عنهما وكذا فعل الشافعي أخذ من هارون الرشيد وفرقه في الحال فلم يدخر منه حبة ومع هذا فان الأموال في زمن الخلفاء الأوائل بعد الراشدين كان ما عند السلطان منها غالبه حلال بخلاف الأموال التي في أيدي السلاطين في هذه الأزمان فان معظمها حرام والحلال فيها قليل جدا * (فرع) قال الغزالي مال المصالح لا يجوز صرفه الا لمن فيه مصلحة عامة أو هو محتاج عاجز
(٣٤٩)