(فرع) قد ذكرنا أن مذهبنا جواز بيع كل ما ليس مطعوما ولا ذهبا ولا فضة بعضه ببعض متفاضلا ومؤجلا وبه قال جمهور العلماء وقال أبو حنيفة يحرم التأجيل في بيع الجنس بعضه ببعض من أي مال كان لحديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة قال الترمذي حديث حسن صحيح * وعن ابن عباس قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) واحتج أصحابنا بالأحاديث والآثار السابقة في بيع الإبل بالإبل مؤجلة ولأنهما عوضان لا تجمعهما علة واحدة فلا يحرم فيهما النساء كما لو باع ثوب قطن بثوب حرير إلى أجل ولأنه لا ربا فيه نقدا فكذا النسيئة (والجواب) عن حديث سمرة من وجهين (أحدهما) جواب الشافعي أنه حديث ضعيف قال البيهقي أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة (والثاني) أنه محمول على أن الأجل في العوضين فيكون بيع دين بدين وذلك فاسد كما سبق (والجواب) عن حديث ابن عباس من الوجهين فقد اتفق الحفاظ على ضعفه وأن الصحيح أنه مرسل عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وممن قال ذلك البخاري وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم قال ابن خزيمة الصحيح عند أهل العلم بالحديث أنه مرسل * * قال المصنف رحمه الله * (فاما يحرم فيه الربا فينظر فيه فان باعه بجنسه حرم فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فان باعه بغير جنسه نظرت فإن كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فان تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد فكذلك إذا تخاير * وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فإن لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بالبدل لان المعقود عليه ما في الذمة وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان (أحدهما) يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه (والثاني) لا يجوز وهو قول المزني لأنه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز * وإن كان مما يحرم بهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حل فيه التفاضل والنساء والتفرق قبل التقابض لاجماع الأمة على جواز اسلام الذهب والفضة
(٤٠٣)