ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء).
إن العبد إذا آمن بجميع ذلك حق الايمان، وقد مهد له العلم الحديث أن يؤمن، وألزمه الفكر الواعي الحصيف أن يعترف، ثم نظر في نفسه ورأى عناية الله به خاصة، التي شملته قبل تكوينه وبعد وجوده، والتي لا ينقطع عنه مددها ولا ينقص عطاؤها، ولا يخرج عن إحاطتها به طرفة عين، ولو قدر له أن يخرج عن حياطتها أو ينتهي عنه عطاؤها لما كان شيئا مذكورا.
ثم نظر في الصلاة نفسها، فوجدها أحد مظاهر عناية الله به وكبرى المناهج التي أعدها له ليتكامل بها ويرتقي، ويؤدي بها حق العبودية، ويستمد بسببها من لطف الله ومن فضله ومدده ونوره ما يرتفع به إلى مصاف الأولياء الكاملين الواصلين.
وأي لطف أعظم من أن يأذن الإله العظيم الذي لا منتهى لعظمته ولا منتهى لجلاله وكبريائه ولا منتهى لغناه، لعبده الضعيف الذي لا حد لضعفه، في أن يقف بين يديه، ويناجيه ويدعوه ويبثه شكواه ونجواه، وينزل به رجاءه وحوائجه ومهماته، وهو يسمع له ويستجيب، ويكشف ضره، ويزيده من الهدى ويزيده من العطاء ويزيده من النور والصفاء.
إن العبد إذا آمن بجميع هذه الحقائق حق الايمان واستشعرها في فكره وفي قلبه وفي مشاعره حق الاستشعار، وكل هذه الحقائق جلي لا ريب فيه، تهيأ له حضور القلب في صلاته وعباداته وبلغ الغاية التي يريدها من عبادته والتي أرادها الله له حين قدره وصوره وهداه، ويسر له السبيل.
فيكون في وقوفه في صلاته بين حالين: رغبة في التقدم ليستزيد من عطاء ربه وخوف من التأخر بالخذلان والحرمان منه، وفي حديث الإمام جعفر بن محمد (ع): (لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فإذا صليت فاقبل بقلبك على الله عز وجل، فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل ودعائه، إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين وأيده مع مودتهم إياه بالجنة).