من الفقهاء أيضا إطاعة الآخر فيما حكم به ولا يجوز مزاحمته له، إذ لا يجوز التخلف عن حكم من جعله الإمام المعصوم واليا بالفعل ونصبه لذلك، كما لا يجوز مزاحمته. فإذا حكم أحدهم في حادثة بحكم لم يجز للآخر الحكم بخلافه. وإذا كانت المصارف على واحد منهم فلا يجوز للآخرين أخذ الضرائب بدون إذنه، فإنه من أشد المزاحمات، كما لا يخفى.
هذا إذا أذعنوا بكون الحاكم المتصدي واجدا للشرائط التي اعتبرها الشرع في الوالي.
وأما إذا لم يذعنوا بذلك فلا تجب الإطاعة قهرا وإن أمكن القول بحرمة التجاهر بالمخالفة. ولا يخفى أنه من هذه النقطة أيضا ينشأ التشاجر والاختلاف واختلال النظام وفوت المصالح المهمة لذلك، وليس هذا الفرض بقليل فإن كثيرا منا ممن يكثر منه الجهل أو الاشتباه بالنسبة إلى أحوال غيره أو ممن يغلب عليه الهوى أحيانا و لا يخلو في عمق ذاته من نحو من الإعجاب بالنفس وعدم الاعتناء بالغير والتحقير له أو الحسد له ويعسر عليه التسليم لفرد مثله والإطاعة له إلا من عصمه الله - تعالى -.
هذا.
وأما إذا قلنا بعدم كون الفقهاء منصوبين للولاية فعلا، للخدشة فيه ثبوتا أو اثباتا، بل قلنا بكون الفقيه الواجد للشرائط أهلا للولاية وصالحا له وأصلح من غيره، و ما ورد في فضل العلماء والفقهاء أيضا لا يدل على أكثر من الصلاحية والترشيح للولاية، وإنما تنعقد ولايتهم بالفعل بانتخاب الأمة بمرحلة واحدة أو بمرحلتين، فلا محالة يصير الوالي بالفعل من الفقهاء من انتخبته الأمة وفوضت إليه الأمانة الإلهية.
فهو الذي يحق له التصدي لشؤون الولاية بالفعل، ولا يجوز للباقي وإن وجدوا الشرائط مباشرتها إلا تحت أمره ونظره، من غير فرق بين الأمور المالية وغيرها و الجزئية والكلية.
وإذا كانت الأمة باختيارها هي المفوضة لأمر الولاية فبالطبع تصير مدافعة عنها و قوة تنفيذية لها، فتستحكم الولاية ويحصل النظام ويدفع الفساد وينحى غير الآهلين لها قهرا. وللأمة عزل الحاكم المنتخب إذا فقد الشرائط أو تخلف عن