قال:
" فقال أصحابنا: لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبا الطاعة، وإنما تنعقد إمامة واحد في الوقت ويكون الباقون تحت رايته. وإن خرجوا عليه من غير سبب يوجب عزله فهم بغاة، إلا أن يكون بين البلدين بحر مانع من وصول نصرة أهل كل واحد منهما إلى الآخرين، فيجوز حينئذ لأهل كل واحد منهما عقد الإمامة لواحد من أهل ناحيته. وزعم قوم من الكرامية أنه يجوز أن يكون في وقت واحد إمامان و أكثر... " (1) وعن إمام الحرمين الجويني أنه قال في كتاب الإرشاد:
" ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالم... والذي عندي فيه أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمخالف غير جائز و قد حصل الإجماع عليه. وأما إذا بعد المدى، وتخلل بين الإمامين شسوع النوى فللاحتمال في ذلك مجال، وهو خارج عن القواطع. " (2) قلنا: نحن لا نأبى ما ذكرت إن فرض وجود العلقة التامة بين الدويلات وجعل على رأس الجميع إمام واحد يجمع شملهم ويربطهم ويحكم عليهم في المواقف اللازمة بحكم عام، بحيث يعد الجميع دولة واحدة مقتدرة يساند بعضها بعضا. نظير الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجماهير السوفياتية.
وأما تعدد الحكام المستقلين في الرأي والإرادة في جميع الشؤون بلا زعيم واحد ينظم شتاتهم ويقطع خلافاتهم فمظنة للفرقة والفشل.
ألا ترى أن الله - تعالى - جعل لكل إنسان أذنين تسمعان، وعينين تبصران، و يدين ورجلين وأعضاء وجهازات مختلفة يعمل كل منها عمله، ولكن جعل له فوق الجميع رأسا واحدا وعقلا فاردا يدبر الجميع، ولسانا واحدا يعبر عن منوياته؟