أجرة المثل عوضا عن منافع الدابة المتحققة، فمن أسقطها يحتاج إلى دليل، وكذلك الحكم إذا اختلف مالك الأرض وزارعها حرفا فحرفا.
وقال شيخنا: أبو جعفر في مسائل الخلاف في كتاب العارية: القول قول الراكب والزارع للأرض دون صاحب الدابة وصاحب الأرض، إلا أنه رحمه الله رجع في كتاب المزارعة من مسائل الخلاف عن ذلك وقال مسألة: إذا زرع أرض غيره ثم اختلفا فقال الزارع: أعرتنيها، وقال رب الأرض: بل أكريتكها، وليس مع أحدهما بينة حكم بالقرعة، وللشافعي فيه قولان وعليه أكثر أصحابه: أحدهما أن القول قول الزارع وكذلك في الراكب إذا ادعى أن صاحب الدابة أعاره إياها، وهو الذي يقوى في نفسي، والقول الثاني أن القول قول رب الأرض والدابة.
وحكى أبو علي الطبري أن في أصحابه من حمل المسألتين على ظاهرهما، وفرق بينهما بأن العادة جرت بإعارة الدواب وفي الأرض بالإجارة دون العارية، دليلنا على ما قلناه أولا إجماع الفرقة على أن كل مجهول يشتبه فيه القرعة وهذا من ذلك، وأما ما قلناه ثانيا هو أن الأصل براءة الذمة وصاحب الدابة مدع للأجرة فعليه البينة، فإذا عدمها كان على الراكب والزارع اليمين، هذا آخر المسألة من كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: أما رجوع شيخنا إلى القرعة في هذا ليس بواضح لأن هذا أمر غير مجهول ولا مشكل بل هذا بين والشارع والإجماع بينه وهو مثل الدعاوي في سائر الأحكام من أن على المدعي البينة وعلى الجاحد اليمين.
وأما ما قاله ثانيا فهو الذي اختاره في كتاب العارية وهو خيرة المزني صاحب الشافعي، وقد بينا ما عندنا وهو أنا لا نقبل قول مدعي مقدار الأجرة ولا نقبل قول مدعي العارية، ونأخذ عوض المنفعة المتحققة الذي هو الركوب والزرع، لأنا إذا لم يسلم لنا العوض المدعي من الأجرة رجعنا إلى العوض وهو أجرة المثل، ولا يقبل قول الزارع والراكب في إبطال المنفعة كلها وهي متحققة قد استوفاها وهو مدع لسقوط عوضها بالكلية، فهذا تحرير هذه الفتيا فليلحظ فإنها غير ملتبسة ولا غامضة على المسائل فإني لا أستجمل القول لشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله مع جلالة قدره ما قاله في المسألتين مع القرعة، والقول الثاني الذي قال فيه: إن الأصل براءة الذمة.