شهوات قلوبهم ودواعي نفوسهم وكل من كان كذلك كان فعله فعل الحق و قوله قول الصدق إذ لا داعيه في نفسه تخالف داعي الحق بل يستهلك ارادته في اراده الحق ومشيته في مشيه الحق ومثال طاعتهم لله سبحانه ولامره مثال طاعة الحواس فينا للنفس حيث لا تستطيع خلافا لها فيما شاءت النفس ولا حاجه في طاعتها للنفس إلى امر ونهى أو ترغيب وزجر بل كلما همت الناطقة بأمر محسوس امتثلث الحاسة لما همت به وقصدته دفعه مع أن هذه الحواس واقعه في عالم آخر غير عالم الجوهر العقلي منا لأنها نازلة عنه في الملكوت الأسفل فكذا طاعة الملائكة الواقعة في ملكوت السماوات لله سبحانه لأنهم المطيعون بذواتهم لامره المستمعون بأسماعهم الباطنة لوحيه المستشعرون بقلوبهم النورية لعظمته الوالهون في ملاحظة جماله وجلاله وحيث انهم لا يستطيعون خلافا ولا تمردا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه بل يفعلون حسبما يفعله و يتركون حسبما يتركه فهؤلاء العباد المكرمون يكون حركاتهم وسكناتهم و تدبراتهم وتصوراتهم كلها بالحق ومن الحق فهذا أصل.
واعلم أيضا ان الشئ كما يحدث في القابل من جهة أسباب قابلية ومباد خارجية وأوضاع جسمانية كما تحدث السخونة في جسم قابل من مصادفة مسخن خارجي كالنار مثلا كذلك قد تحدث فيه لا من استعداد مادي وجهات قابلية بل من سبب فأعلى وامر علوي ومبدء باطني كما تحدث السخونة في بدن الانسان من جهة نفسه عند تصورها لأمر هائل أو انبعاث اراده غضب منها فيسخن البدن عند ذلك غاية السخونة من غير حضور مسخن خارجي وكما يحدث برودة في أعضاء البدن ليس سببها أمرا طبيعيا ولا قاسرا خارجيا بل من جهة خوف ونحوه في النفس وكذلك تخيل الامر الشهواني يحرك الأعضاء ويحدث رطوبة وان لم يكن ذلك عن امتلاء طبيعي وأسباب معدة طبيعية فهكذا حال مادة العالم وبدن الانسان الكبير بالقياس إلى نفسه المدبرة له في وقوع الأمور النادرة منها وجريانها في هذا العالم لا على المجرى الطبيعي ولا من جهة سبق الأسباب الطبيعية المعدة إياها بل مع كون الأسباب السابقة مخالفه إياها