حتى يكون وجودا فاضلا وكون ذلك الشئ خيرا لا من كونه فلا يحتاج بعد هذا العلم إلى اراده أخرى ليكون الشئ موجودا بل نفس علمه بنظام الأشياء الممكنة على الترتيب الفاضل هو سبب موجب لوجود تلك الأشياء على النظام الموجود والترتيب الفاضل وبالجملة فلوازم ذاته أعني المعلومات لم يكن يعلمها ثم يرضى بها بل لما كان صدورها عنه عن مقتضى ذاته كان نفس صدورها عنه نفس رضاه بها فاذن لم يكن صدورها عنه منافيا لذاته بل مناسبا لذات الفاعل وكل ما كان غير مناف ومع ذلك يعلم الفاعل انه فاعله فهو مراده لأنه مناسب له فنقول هذه الموجودات صدرت عن مقتضى ذات واجب الوجود بذاته المعشوقة له مع علم منه بأنه فاعلها وعلتها وكل ما يصدر عن شئ على هذه الصفة فهو غير مناف لذلك الفاعل وكل فعل يصدر عن فاعل وهو غير مناف له فهو مراده فاذن الأشياء كلها مراده لواجب الوجود وهذا المراد هو المراد الخالي عن الغرض لان الغرض في رضاه بصدور تلك الأشياء انه مقتضى ذاته المعشوقة فيكون رضاه بصدور الأشياء لأجل ذاته فيكون الغاية في فعله ذاته ومثال هذا انك إذا أحببت شيئا لأجل انسان كان المحبوب بالحقيقة ذلك الانسان فكذلك المعشوق المطلق هو ذاته ومثال الإرادة فينا انا نريد شيئا ونشتاقه لأنا محتاجون إليه وواجب الوجود يريده على الوجه الذي ذكرنا ولكنه لا يشتاق إليه لأنه غنى عنه فالغرض لا يكون الا مع الشوق فإنه يقال لم طلب هذا فيقال لأنه اشتهاه وحيث لا يكون الشوق لا يكون الغرض فليس هناك غرض في تحصيل المقصود ولا غرض فيما يتبع تحصيله إذ تحصيل الشئ غرض وما يتبع ذلك التحصيل من النفع غرض أيضا والغاية قد تكون نفس الفعل وقد يكون نفعا تابعا للفعل مثلا كالمشي قد يكون غاية وقد يكون الارتياض غاية وكذلك البناء قد يكون غرضا وقد يكون الاستكنان به غرضا ولو أن انسانا عرف الكمال الذي هو حقيقة واجب الوجود ثم كان ينظم الأمور التي بعده على مثاله حتى كانت الأمور على غاية النظام لكان الغرض بالحقيقة واجب الوجود (1) بذاته
(٣٥٩)