الحدوث المتدرج الكون وقد برهن على أن المحدث المقيم للعالم هو الباري القيوم القديم العليم جل ذكره.
ومنها ان لقائل ان يرجع ويقول إن ارادته باحداث حادث اما أزلية أو حادثه وعلى الأول فاما ان يبقى تلك الإرادة بعد زوال ذلك الحادث بعينها أو لا ومع البقاء فاما ان يتعلق بوجوده حال انعدامه فلزم تخلف المراد عن ارادته وان لا يكون انعدام ذلك الحادث بإرادته واما ان تتعلق بوجوده حين وجد وهو غير معقول إذ لا يعقل تعلق الإرادة في الحال بوجود المراد أمس ومع زوالها يلزم زوال القديم وهو محال على أن اراده الله سبحانه عين ذاته وعلى الثاني احتاجت الإرادة إلى اراده أخرى ويلزم التسلسل وأيضا يلزم كونه محلا للحوادث وموردا لتعاقب الصفات وان يستحيل من صفه إلى صفه وما هذا شانه فهو مادة جسمانية فيكون اله العالمين جسما تعالى عما يقوله الظالمون الملحدون من الذين زعموه محلا للإرادات المتعاقبة علوا كبيرا.
فنقول ان هذه الشبهة ونظائرها انما نشأت من قياس ارادته إلى إرادتنا وتوهم كونها عزما واجماعا على الايجاد ومن توهم ان الزمانيات متصفة بالحضور بعد الغيبة وبالوجود بعد العدم بالقياس إلى ذاته وعلمه وإراداته وليس الامر كذلك فإنه سبحانه لما علم أزلا سلسله الوجود وجمله النظام الأتم وروابط بعضها إلى بعض من بدو وجوداتها إلى غاياتها ومن مقدمها إلى ساقتها وعلم أن وجودها على هذه الهيئة المعينة مما ينبغي ان يصدر عنه ويقع في الكون بعثه هذا العلم القديم الذي هو عين ذاته المريدة إلى ايجاد كل ما وجد وابداع كل ما أبدع وإفاضة نور الوجود على أعيانها واخراجها جمله من حد العدم ومكمن الاختفاء إلى حريم الوجود ومنصة الظهور وهذا العلم كهذه الإرادة شئ واحد سرمدي ثابت الوجود والوجوب له أزلا وأبدا من غير تغير وتعاقب لا في ذات العلم والإرادة ولا في تعلقهما كما توهمه المتكلمون لأنهما عين ذاته ومبدء الصفة الإضافية إذا ثبت كانت الإضافات والتعلقات أيضا ثابته.