بجميع الأشياء حاصل في مرتبه ذاته بذاته قبل وجود ما عداه سواء كانت صورا عقلية قائمه بذاته أو خارجه منفصله عنها فهذا هو العلم الكمالي التفصيلي بوجه و الاجمالي بوجه وذلك لان المعلومات على كثرتها وتفصيلها بحسب المعنى موجودة بوجود واحد بسيط ففي هذا المشهد الإلهي والمجلى الأزلي ينكشف وينجلي الكل من حيث لا كثره فيها فهو الكل في وحده.
فان قلت فيلزم ان يكون واجب الوجود ذا مهية فلا يكون وجودا بحتا و قد تقرر بالبرهان انه تعالى وجود بحت بلا مهية لان كل ذي مهية معلول.
قلت قد سبقت منا الإشارة إلى دفع هذا الايراد بان المراد من المهية هي المحدودة بحد خاص جامع مانع يخرج عنها أشياء كثيره (1) وذلك لقصور وجودها عن الحيطة التامة والمراد من كون الشئ ذا مهية أو كونه ذا وجود زائد على مهيته هو كون الشئ بحيث يفتقر في اتصافه بوجوده إلى شئ آخر ولا يكون أيضا متحقق الوجود في جميع المراتب الوجودية فلا محاله يتحقق قبل وجوده الخاص مرتبه من مراتب نفس الامر لم يكن هو موجودا في تلك المرتبة مع تحقق امكان الوجود لمهيته في تلك المرتبة ففي تلك المرتبة انفكت المهية عن وجودها الخاص بها وما من ممكن الا وفي نفس الامر له مرتبه لا يكون وجوده الخاص المقيد به في تلك المرتبة فهذا معنى كون الممكن ذا مهية وكون الوجود زائدا على مهيته.
واما الواجب جل ذكره فليس له حد محدود في الوجود ولا له مهية محدودة بحد خاص فاقد لأشياء كثيره ولا أيضا يوجد مرتبه في الواقع لم يكن هو موجودا في تلك المرتبة ومعنى كونه وجودا بحتا صرفا انه ليس يوجد له مهية أخرى غير الوجود وتأكده فجميع حيثياته حيثية واحده هي حيثية وجوب الوجود إذ لا حد له ولا نهاية لوجوده لكونه غير متناه في مراتب الشدة والكمال كل مرتبه منها غير متناه في عده الآثار والافعال فلا يخلو عنه ارض ولا سماء ولا بر ولا بحر ولا عرش