وتفسير الواقع تفسيرا محايدا يعكسه بأعلى درجة ممكنة من الدقة والعمق. فهو يعلمنا مثلا في المجال الاجتماعي: أن الرأسمالية تؤدي إلى تحكم القانون الحديدي بالأجور، وخفضها إلى المستوى الضروري للمعيشة، كما يعلمنا في المجال الطبيعي أن استعمال مادة كيماوية معينة يؤدي إلى تحكم مرض خطير بحياة الشخص. والعلم حين يبرز لنا هذه الحقيقة أو تلك، يكون قد قام بوظيفته وأتحف الانسانية بمعرفة جديدة، ولكن سبح هذا المرض الخطير أو ذلك القانون الرهيب (قانون الأجور الحديدي)، لا يتلاشى لمجرد أن العلم اكتشف العلاقة بين تلك المادة المعينة والمرض، أو بين الرأسمالية والقانون الحديدي، بل إن الانسان يتخلص من المرض بالتجنب عما يؤدي اليه، ويتخلص من القانون الحديدي للأجور بمحو الإطار الرأسمالي للمجتمع. وهنا نتساءل ما الذي يضمن أن يتخلص الانسان من ذلك المرض؟ ومن هذا الإطار؟ والجواب فيما يتصل بالمرض واضح كل الوضوح، فإن الدافع الذاتي عند الانسان يكفي وحده لإبعاده عن تلك المادة الخاصة التي كشف العلم عن نتائجها الخطيرة لأنه يناقض المصلحة الخاصة للفرد. وأما فيما يتصل بالقانون الحديدي للأجور وإزالة الإطار الرأسمالي، فإن الحقيقة العلمية التي كشفت عن الصلة بين هذا الإطار وذلك القانون مثلا، ليست قوة دافعة إلى العمل وتغيير الإطار، وإنما يحتاج العمل إلى دافع، والدوافع الذاتية للافراد لا تلتقي دائما، بل تختلف تبعا لاختلاف المصالح الخاصة.
وهكذا يجب أن نفرق بين اكتشاف الحقيقة العلمية، والعمل في ضوئها على إسعاد المجتمع. فالعلم إنما يكشف الحقيقة بدرجة ما، وليس هو الذي يطورها.
المادية التاريخية والمشكلة وتقول الماركسية بهذا الصدد - على أساس المادية التاريخية - دعوا المشكلة نفسها، فإن قوانين التاريخ كفيلة بحلها في يوم من الأيام، أفليست المشكلة هي أن