وإلى جانب هذه القدرة الفكرية تملك الانسانية دافعا ذاتيا، يضمن اندفاعها في سبيل مصالحها الطبيعية، فإن المصالح الطبيعية للانسان تلتقي بالدافع الذاتي لكل فرد. فليس الحصول على العقاقير الطبية مثلا مصلحة لفرد دون فرد. أو منفعة لجماعة دون آخرين. فالمجتمع الانساني دائما يندفع في سبيل توفير المصالح الطبيعية بقوة من الدوافع الذاتية للأفراد، التي تتفق كلها على الاهتمام بتلك المصالح وضرورتها، بوصفها ذات نفع شخصي للأفراد جميعا.
وهكذا نعرف أن الإنسان ركب تركيبا نفسيا وفكريا خاصا، يجعله قادرا على توفير المصالح الطبيعية، وتكميل هذه الناحية من حياته عبر تجربته للحياة والطبيعية..
وأما المصالح الاجتماعية فهي بدورها تتوقف أيضا - كما عرفنا - على إدراك الانسان للتنظيم الاجتماعي الذي يصلحه، وعلى الدافع النفسي نحو إيجاد ذلك التنظيم وتنفيذه. فما هو نصيب الانسان من هذين الشرطين بالنسبة إلى المصالح الاجتماعية؟ وهل جهز الانسان بالقدرة الفكرية على إدراك مصالحه الاجتماعية، وبالدافع الذي يدفعه إلى تحقيقها، كما جهز بذلك بالنسبة إلى مصالحه الطبيعية؟؟
ولنأخذ الآن الشرط الأول، فمن القول الشائع: أن الانسان لا يستطيع أن يدرك التنظيم الاجتماعي الذي يكفل له كل مصالحه الاجتماعية، وينسجم مع طبيعته وتركيبه العام، لأنه أعجز ما يكون عن استيعاب الموقف الاجتماعي بكل خصائصه، والطبيعة الانسانية بكل محتواها ويخص أصحاب هذا القول إلى نتيجة هي: أن النظام الاجتماعي يجب أن يوضع للانسانية، ولا يمكن أن تترك الإنسانية لتضع بنفسها النظام، ما دامت معرفتها محدودة، وشروطها الفكرية عاجزة عن استكناه أسرار المسألة الاجتماعية كلها.
وعلى هذا الأساس يقدمون الدليل على ضرورة الدين في حياة الانسان، وحاجة الإنسان إلى الرسل والأنبياء، بوصفهم قادرين عن طريق الوحي على تحديد المصالح الحقيقية للانسان في حياته الاجتماعية وكشفها للناس.