والإسلام في هذا يخالف الماركسية، التي تعتقد أن علاقات الانسان بأخيه، تتطور تبعا لتطور علاقاته بالطبيعة، وتربط شكل التوزيع بطريقة الإنتاج، وترفض امكان بحث مشاكل الجماعة، إلا في إطار علاقتها بالطبيعة، كما مر بنا عرضه ونقده في بحوث الكتاب الأول من اقتصادنا.
ومن الطبيعي - على هذا الأساس - أن يقدم الإسلام مبادئه النظرية والتشريعية، بوصفها قادرة على تنظيم علاقات الانسان في عصور مختلفة.
ولكن هذا لا يعني جاز إهمال الجانب المتطور، وهو علاقات الانسان بالطبيعة وإخراج تأثير هذا الجانب من الحساب فان تطور قدرة الانسان على الطبيعة، ونمو سيطرته على ثرواتها، يطور وينمي باستمرار خطر الانسان على الجماعة، ويضع في خدمته باستمرار امكانات جديدة للتوسع، ولتهديد الصورة المتبناة للعدالة الاجتماعية.
فالمبدأ التشريعي القائل مثلا: ان من عمل في أرض، وأنفق عليها جهدا حتى أحياها، فهو أحق بها من غيره.. يعتبر في نظر الإسلام عادلا، لأن من الظلم أن يساوى بين العامل الذي أنفق على الأرض جهده، وغيره ممن لم يعمل فيها شيئا. ولكن هذا المبدأ بتطور قدرة الانسان على الطبيعة ونموها، يصبح من الممكن استغلاله. ففي عصر كان يقوم احياء الأرض فيه على الأساليب القديمة، لم يكن يتاح للفرد أن يباشر عمليات الاحياء إلا في مساحات صغيرة. وأما بعد أن تنمو قدرة الانسان، وتتوفر لديه وسائل السيطرة على الطبيعة، فيصبح بإمكان أفراد قلائل ممن تواتيهم ويسيطروا عليها، الأمر الذي يزعزع العدالة الاجتماعية ومصالح الجماعة. فكان لا بد للصورة التشريعية من منطقة فراغ، يمكن ملؤها حسب الظروف. فيسمح بالاحياء سماحا عاما في العصر الأول ويمنع الأفراد في العصر الثاني - منعا تكليفيا - عن ممارسة الاحياء، إلا في حدود تتناسب مع أهداف الاقتصاد الإسلامي وتصوراته عن العدالة.