إليها، وجدنا أن النصوص جعلت من الغنى الحد النهائي لتناول الزكاة، فسمحت باعطاء الزكاة للفقير حتى يصبح غنيا، ومنعت اعطاءه بعد ذلك، كما جاء في الخبر عن الإمام جعفر ((تعطيه من الزكاة اعطاءه حتى تغنيه)) (1). فالغنى الذي جعله حدا فاصلا بين اعطاء الزكاة ومنعها.
ومرة أخرى يجب أن نرجع إلى النصوص، ونفتش عن طبيعة هذا الحد الذي يفصل بين اعطاء الزكاة ومنعها، لنعرف بذلك مفهوم الغنى في الإسلام.
وفي هذه المرحلة من الاستنتاج يمكن الكشف عن طبيعة ذلك الحد، في ضوء حديث أبي بصير، الذي جاء فيه: ((إنه سأل الأمام جعفر الصادق عن رجل له ثمانمائة درهم، وهو رجل خفاف، وله عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال له الإمام: يا أبا محمد أيربح من دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟. فقال أبو بصير: نعم. فقال الإمام: إن كان يفضل عن قوته مقدار نصف القوت، فلا يأخذ الزكاة. وإن كان أقل من نصف القوت، أخذ الزكاة. وكما أخذه منها فضة على عياله حتى يلحقهم بالناس)) (2).
ففي ضوء هذا النص نعرف أن الغنى في الإسلام هو انفاق الفرد على نفسه وعائلته، حتى يلحق بالناس. وتصبح معيشته في المستوى المتعارف الذي لا ضيق فيه ولا تقية.
وهكذا نخرج من تسلسل المفاهيم إلى مفهوم الإسلام عن التوازن الاجتماعي، ونعرف أن الإسلام حين وضع مبدأ التوازن الاجتماعي، وجعل ولي الأمر مسؤولا عن تحقيقه بالطرق المشروعة.. شرح فكرته عن التوازن، وبين أنه يتحقق بتوفير الغنى لسائر الأفراد. وقد استخدمت الشريعة مفهوم الغنى هذا بجعله حدا فاصلا بين جواز الزكاة ومنعها. وفسرت هذا الحد الفاصل في نصوص أخرى: بيسر معيشة الفرد إلى