وحين نريد أن نفسر هذا الحق السابق على عمليات الاغتصاب، يجب أن ندع جانبا التفسير بالقوة والعنف، لنفتش عن سببه، في نوع العلاقة التي كانت قائمة بين الأرض وأصحاب الحق فيها. ومن ناحية أخرى أن هذا الشخص الغاصب، الذي نفترض أنه كان يستولي على الأرض بالقوة. لم يكن على الأكبر شخصا طريدا لا مأوى له ولا أرض، بل هو - في أقرب صورة إلى القبول - شخص استطاعه أن يعمل في مساحة من الأرض ويستثمرها، واتسعت امكاناته بالتدريج، فأخذ يفكر بالاستيلاء بالعنف على مساحات جديدة من الأرض. فهناك إذن قبل العنف والقوة العمل المثمر والحق القائم على أساس العمل والاستثمار.
وأقرب الأشياء إلى القبول، حين نتصور طائفة بدائية تسكن في أرض وتدخل الحياة الزراعية.. أن يشغل كل فرد فيها مساحة من تلك الأرض، تبعا لإمكاناته، ويعمل لاستثمارها. ومن خلال هذا التقسيم الذي يبدأ بوصفه تقسيما للعمل - إذ لا يتاح لجميع المزارعين المساهمة في كسل شبر - تنشأ الحقوق الخاصة للافراد، ويصبح لكل فرد حقه في الأرض، التي أجهدته وامتصت عمله وأتعابه. وتظهر بعد ذلك عوامل العنف والقوة، حين يأخذ الأكثر قدرة وقوة يغزو أراضي الآخرين ويستولي على مزارعهم.
ولسنا نريد بهذا أن نبرر الحقوق والملكيات الخاصة للأرض، التي مرت في تاريخ الانسان، وإنما نستهدف القول. بأن الاحياء - العمل في الأرض - هو - في أكبر الظن - السبب الأول الوحيد، الذي اعترفت به المجتمعات الفطرية، بوصفه مصدرا لحق الفرد في الأرض، التي أحياها وعمل فيها، والأسباب الأخرى كلها عوامل ثانوية، ولدتها الظروف والتعقيدات، التي كانت تبتعد بالمجتمعات الأولى عن وضعها الفطري وإلهامها الطبيعي.
وقد فقد السبب الأول اعتباره تاريخيا بالتدريج، خلال نمو هذه العوامل الثانوية، وتزايد سيطرة الهوة على الفطرة، حتى امتلأ تاريخ الملكية الخاصة للأرض بألوان من الظلم والاحتكار، وضاقت الأرض على جماهير الناس، بقدر ما اتسعت