عدة مجتمعات معاصرة، حكمت عليها الماركسية بالبدائية، واعتبرتها مادة عملية للبحث. عما قبل عصر التاريخ، بوصفها ممثلة للطفولة الاجتماعية، ومعبرة عن نفس الحالة البدائية، التي مرت بها المجتمعات البشرية بصورة عامة. ولما كانت معلوما الماركسية عن هذه المجتمعات البدائية المعاصرة، تؤكد أن الشيوعية البدائية هي الحالة السائدة فيها، فيجب إذن أن تكون هي المرحلة الأولى، لكل المجتمعات البدائية في ظلمات التاريخ. وبذلك خيل للماركسية، أنها وضعت يدها الدليل المادي المحسوس.
ولكن يجب أن نعلم - قبل كل شيء - أن الماركسية، لم تتلق معلوماتها عن تلك المجتمعات البدائية المعاصرة، بصورة مباشرة، وإنما حصلت عليها عن طريق الأفراد الذين اتفق لهم الذهاب إلى تلك المجتمعات والتعرف على خصائصها. وليس هذا فقط، بل إنها لم تأخذ بعين الاعتبار، إلا المعلومات التي تتفق مع نظريتها العامة واتهمت كل المعلومات التي تتعارض معها، بالتحريف والتزوير، وبهذا كانت البحوث الماركسية، تتجه إلى انتقاء المعلومات النافعة للنظرية، وتحكيم النظرية نفسها في تقدير قيمة المعلومات والأخبار، التي تقدم عن تلك المجتمعات، بدلا عن تحكيم المعلومات في النظرية، وامتحان النظرية في ضوئها. ونستمع بهذه المناسبة إلى كاتب ماركسي كبير يقول:
((وبالقدر الذي نستطيع أن نتوغل في الماضي، نجد أن الإنسان كان يعيش في مجتمعات. ومما يسهل دراسة المجتمعات البدائية القديمة، انه ما زالت تسود ظروف اجتماعية بدائية، حتى عصرنا هذا، بين كثير من الشعوب، كما هو الحال بالنسبة لبعض السكان الملونين، في أفريقيا وبولونيزيا وماليزيا وأستراليا، وهنود أمريكا قبل اكتشافها، والأسكيمو واللاجون... الخ وأغلب المعلومات الكثيرة التي وصلتنا من هذه المجتمعات البدائية، قدمها رجال البعثات التبشيرية الذين حرفوا الحقائق عن قصد أو غير قصد)) ( 1).