اختلافا كثيرا) * (1).
أجيب عن هذا الدليل: بأننا نسلم وقوع هذا الاختلاف ولا مانع منه، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اختلاف أمتي رحمة " (2) وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب في أحكام الله تعالى كما تدعون، فإن الحاصل بعد الاجتهاد والقياس حكم لله مظنون، والعمل بالظن واجب، فيعمل كل مجتهد على حسب ظنه ويتبعه المقلد، فيتبع أمر الدين، وتسهل الأحكام على الناس، ولا اضطراب في أحكام الله تعالى بهذا الاعتبار، ثم إن هذا الإيراد أو النقض - لو تم - فهو مشترك الورود بين الأحكام الظنية والأحكام اليقينية، لأن الأحكام اليقينية على حد الأحكام الظنية في أنها مظنة الاختلاف، فالإشكال الإشكال والجواب الجواب.
أجيب عن الأول - وهو الاستدلال بحديث " اختلاف أمتي رحمة " -: بأن هذا الحديث مرسل ضعيف عند نقاد أهل السنة، وقال بعضهم: إنه ليس بمعروف عند المحدثين، وإنما ذكره بعض الأصوليين في بحث القياس، وعلى تقدير تسليم صحته، فله وجوه من التوجيه أو التأويل:
منها: أنه يحتمل أن يكون المراد بالاختلاف المذكور فيه، هو ورود بعض الأمة خلف بعض من المدن المتفرقة والأماكن المختلفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وقته وعلى وصيه القائم مقامه من بعده، فيسألوه عن معالم دينهم، ويستضيؤون منه فيما اشتبه عليهم، فذلك رحمة لهم ولمن يعودون إليه فينذرونه من قومهم، قال الله سبحانه: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم