حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال: بدا له تعالى، بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل. فأما كونه آمرا وناهيا، فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم) * (1) بأن نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا، وإنما نعلم ذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء، وهذا وجه حسن جدا، انتهى موضع الحاجة من الكلام.
وأنت ترى أن هذا الكلام صريح كل الصراحة في أن البداء في نظر السيد المرتضى (قدس سره) ليس هو المراد من النسخ، كما أن الشيخ نفسه جعله مقابلا للمعنى المذكور للنسخ المعروف فيه، لكن فيه: أنه يرى أنه تعالى غير عالم بالأشياء قبل الوقوع، كما ترى صريحه وتصريحه، وهو مذهب مهجور عند أصحابنا الإمامية، وهو بما قال أعرف، وتحقيق الحق في ذلك يطلب من موسوعات الكتب الكلامية.
ومنها: وهو ما ذكره الشيخ الصدوق (قدس سره) في توحيده (2)، حيث قال:
ليس البداء كما يظنه جهال الناس، بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن يبدأ بشئ من خلقه فيخلقه قبل كل شئ ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله، أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل: نسخ الشرائع، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في