المرحلة الثالثة: في حقيقة أصل النسخ بحسب مصطلح أهل الشرع.
عرف الناسخ في مصطلح العلماء بأنه عبارة عن طريق شرعي يدل على أن الحكم الذي كان ثابتا بطريق شرعي لا يوجد بعد ذلك، مع تراخيه عنه على وجه لولاه لكان ثابتا.
هذا هو تعريف النسخ، وحيث قد عرفنا مجموع هذا التعريف فلتعرف مفرداته، فنقول:
الطريق الشرعي في هذا التعريف يراد به القدر المشترك بين القول الصادر عن الله تعالى، وعن رسوله (صلى الله عليه وآله) والفعل المنقول عنه، ويخرج عنه إجماع الأمة على أحد القولين، لأن ذلك ليس بطريق شرعي على هذا التفسير، ولا يلزم أن يكون الشرع ناسخا لحكم العقل، لأن العقل ليس طريقا شرعيا، ولا يلزم أن يكون المعجز ناسخا للحكم الشرعي، لأن المعجز ليس طريقا شرعيا.
المرحلة الرابعة: هي أن النسخ عندنا جائز عقلا واقع نقلا، وقد منع عنه أكثر اليهود، فبعضهم منع منه عقلا ونقلا، وبعضهم أجازه عقلا ومنع منه نقلا، وقد عرفت أن الحق هو ما نذهب إليه من جوازه في العقل ووقوعه في النقل.
ووجه الاستدلال عليه عقلا: هو أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح، والمصالح تختلف باختلاف الأزمان والأحوال والأشخاص، بحيث يصير ما كان مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر، ففي وقت صيرورته مفسدة تغير الحكم المتعلق به حال مصلحته، فحينئذ يزول به التكليف، ووجه الاستدلال عليه نقلا أمور:
منها: إنه حيث دل الدليل على نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وثبت نبوته لزم القول