هذا كلامه (قدس سره)، وكأن المقصود منه هو أن البداء بهذا المعنى هو المعنى المفهوم من عالمي المحو والإثبات، كما قال تعالى: * (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (1) أو إثبات أن الله تعالى مختار مطلوب في كل الأفعال التكوينية، وفي كل الإرادات، في كل الأمور، في مختلف الأحوال والشؤون.
ومنها: ما هو المنقول عن السيد الداماد: وهو أن البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع، فما هو في الأمر التشريعي والأحكام التكليفية نسخ، هو في الأمر التكويني والمكونات الزمانية بداء، فالنسخ كأنه بداء تشريعي، والبداء كأنه نسخ تكويني، وكما أن حقيقة النسخ - عند التحقيق - انتهاء الحكم التشريعي وانقطاع استمراره لا رفعه ولا ارتفاعه عن وعاء الواقع، فكذا حقيقة البداء - عند الفحص البالغ - إثبات الاستمرار التكويني وانتهاء اتصال الإفاضة، فكأن مرجعه عنده إلى تحديد زمان الكون وتخصيص وقت الإفاضة لا أنه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه وبطلانه في حد حصوله.
ومنها: هو أن الأمور - كلها عامها وخاصها، ومطلقها ومقيدها، وناسخها ومنسوخها، ومفرداتها ومركباتها، وإخباراتها وإنشاءاتها، بحيث لا يشذ عنها شئ - منقوشة في اللوح والفائض على الملائكة، والنفوس العلوية، والنفوس السفلية، قد يكون الأمر العام والمطلق حسبما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت، ويتأخر المبين إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه، وهذه النفوس العلوية وما يشبهها يعبر عنه بكتاب المحو والإثبات، والبداء عبارة عن هذا التغير في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا ومحو ما يثبت فيه، هذا ولا يخفى أن هذا الوجه يرجع إلى بعض الوجوه السابقة فلا ينبغي عده وجها مستقلا على حدة.