وقال آخرون: وقد نسب هذا القول إلى علم الهدى السيد المرتضى - وهو رأس من رؤوس علمائنا الإمامية - وإلى النظام - وهو رأس من رؤوس المعتزلة، وهي فرقة من فرق إخواننا أهل السنة والجماعة - أن جهة إعجاز القرآن هو الصرفة، ومعنى ذلك أنه تعالى صرف عقول البشر عن معارضته، وهذا القول محتمل لثلاثة أمور:
الأول: أنه سلبهم القدرة على المعارضة.
الثاني: أنه تعالى سلبهم الداعية.
الثالث: أنه تعالى سلبهم العلوم التي كانوا يتمكنون بها على المعارضة، وهذا الوجه الأخير هو الوجه الذي اختاره السيد (رضي الله عنه) - حسبما نقل عنه -.
احتج القائلون بالصرفة بوجهين:
الأول: أنه لو لم يكن إعجاز القرآن للصرفة بل للفصاحة والبلاغة، لكان إعجازه إما من حيث ألفاظه المفردة، أو من الهيئة التركيبية، أو من حيث ألفاظه المفردة والهيئة التركيبية معا، والأقسام الثلاثة بأسرها باطلة، فإعجازه لسبب الفصاحة باطل، فيتعين كون الإعجاز للصرفة. قالوا: وإنما قلنا ذلك لأن العرب كانوا قادرين على المفردات وعلى التركيب، وكل من كان قادرا على المفردات وعلى التركيب كان قادرا عليهما معا، فيكون قادرا على الجمع بينهما معا بالضرورة، فثبت بهذا أن العرب كانوا قادرين على المعارضة وإنما منعوا منها بهذا الطريق فيكون الإعجاز به.
الثاني: أن الصحابة عند جمع القرآن كانوا يتوقفون في بعض السور والآيات، ويتوقعون في ذلك شهادة الثقات، وابن مسعود قد بقي مترددا في الفاتحة والمعوذتين، ولو كان نظم القرآن معجزا لفصاحته لكان كافيا في الشهادة