البحث الأول: في تحقيق حقيقة التقليد، وتعريف معناه.
التقليد في اللغة: هو عبارة عن أخذ القلادة، أو جعل القلادة على شئ، وهذا هو المراد منه في باب تقليد الهدي في باب كفارة الإحرام، وقد استعير هذا المعنى لما نحن فيه، إذ أن المقلد يجعل فتوى المجتهد قلادة له، أو يجعل أمر حكمه الشرعي قلادة في رقبة المجتهد لتخلص المقلدين من أعباء تبعة الأحكام وإلقائها في رقبة المجتهدين.
هذا من ناحية مفهوم الكلمة اللغوي أو اشتقاقها الصرفي أو استعارتها البيانية، أما من ناحية مفهومها الاصطلاحي أو مصطلحها العلمي الجاري على ألسنة الأصوليين والفقهاء فأمر قد اختلف فيه.
عرف بعض العلماء التقليد: بأنه هو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات، أو للالتزام في الاعتقاديات تعبدا بلا مطالبة دليل على رأيه.
فأنت ترى أن التقليد عرف هنا: بأنه الأخذ فقط، وجعل العمل والالتزام نتيجتين أو ثمرتين لهذا الأخذ مترتبين عليه.
وعرفه آخرون: بأنه الالتزام بفتوى مجتهد من المجتهدين، فجعل التقليد نفس الالتزام.
وعرفه ثالث: بأنه العمل بقول الغير وفتواه، فلم يكتف بالأخذ، ولم يقنع بالالتزام في تحقق حقيقة التقليد ومعناه، بل جعله نفس العمل، ونحن حيث نحاول فهم الحق أو تحقيق الحقيقة حسبما استفدناه من بحوث مشايخنا المحققين، نرى أن القول بأن التقليد هو العمل، أقرب إلى الحقيقة من القول بأنه هو أخذ الفتوى فقط والالتزام القلبي فحسب، أو أخذ الرسالة من المجتهد وإن لم يعلم بأصل فتواه، ليس