فهو على التصرف في متعلق الاختلاف بعد إبقاء الاختلاف على ما يفهم من ظاهر لفظة الاختلاف، ذلك حيث حملت على أن متعلق الاختلاف هو اختلاف الهمم والرغبات، لا اختلاف الاعتقاديات والعمليات.
ومما يمنع من الحمل على أن المراد بالاختلاف هو ضد الاتفاق، هو أن الاختلاف أمر أنذر به الكتاب الكريم وسنة الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) في كثير من الآيات، وعلى حد إنذارهما بالاختلاف، أمرهما بالاتفاق والائتلاف على نحو يفوت حد العد والإحصاء، وتجليه بين الناس بمبلغ بليغ من الوضوح يكفينا عن سرد الشواهد والأمثلة في مثل هذا المقام.
ومما يقتضي أو يقضي بالحمل على أن المراد بالاختلاف ليس هو الاختلاف المنذر به أو المؤاخذ عليه، ما نقل عن صاحب الاحتجاج - من جملة احتجاج أبي بن كعب على القوم حيث قال مخاطبا لهم -: وزعمتم أن الاختلاف رحمة، هيهات إن الكتاب رد ذلك عليكم بقول الله تعالى: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) * (1) ثم أخبرنا باختلافكم، قال: * (ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * (2) أي للرحمة، وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، إلى آخر ما نقله صاحب الاحتجاج طاب ثراه. (3) نعم، أسف بعضهم إسفافا لا يرتضيه العلم ولا العلماء في توجيه هذا الحديث بإبقائه على ظاهره، وتأويله هذا التأويل الذي ستراه وترى ما فيه، ذلك مما نقله سيدنا القاضي نور الله نور الله مرقده - في كتابه الذي رد به على القاضي ابن روزبهان