ولنكتف بالقليل عن الكثير:
فإليك ما ذكره أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي - وهو من المرموقين من علماء أهل السنة والجماعة - وقد ذكر ذلك في كتاب " المحلى " (1) - حسبما نقله عنه سيدنا القاضي نور الله نور الله مرقده في كتابه السالف الذكر، قال في مسائل الأصول من ذلك الكتاب:
ولا يحل القول بالقياس في الدين ولا بالرأي، لأن أمر الله تعالى بالرد عند التنازع إلى كتابه ورسوله (صلى الله عليه وآله) قد صح، فمن رد إلى القياس أو تعليل، أو إلى بدعة أو رأي، فقد خالف أمر الله تعالى بالرد إلى الإيمان، ورد إلى غير من أمر الله تعالى بالرد، وفي هذا ما فيه، قال أبو محمد: وقول الله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (2) وقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (3) إبطال للقياس وللرأي، لأنه لا يختلف أهل القياس والرأي في أنه لا يجوز استعمالهما ما دام يوجد نص، وقد شهد الله تعالى بأن النص لم يفرط فيه شيئا وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بين للناس كل ما نزل إليهم، وأن الدين قد كمل، فصح أن النص قد استوفى جميع الدين، فإن ذلك كذلك، فلا حاجة بأحد إلى قياس، ولا إلى رأيه، ولا إلى رأي غيره، ويسأل من قال بالقياس:
هل كل قياس قاسه قائس حق أم منه حق ومنه باطل؟
فإن قال: كل قياس حق، أحال، لأن المقاييس تتعارض ويبطل بعضها بعضا، ومن المحال أن يكون الشئ وضده من التحليل والتحريم حقا معا، وليس هذا مكان نسخ ولا تخصيص، كالأخبار المتعارضة التي ينسخ بعضها بعضا،