انتهى شريف كلامه زيد في علو مقامه. (1) المرحلة الخامسة: في التخطئة والتصريف.
اتفقت الكلمة بين العلماء على التخطئة في العقليات، بمعنى أن المجتهد فيما يتعلق بالأحكام العقلية، يجوز أن يخطئ ويجوز أن يصيب، فليس بمصيب على كل حال، وأما في الشرعيات - يعني الاجتهاد فيما يتعلق بالأحكام الشرعية - فقد اختلفت فيه الكلمة، فذهب أصحابنا عامة إلى التخطئة في ذلك، بمعنى جواز الخطأ على المجتهد فيما يتوصل إليه من الأحكام الشرعية، وذلك نظرا لما وقع الاتفاق بينهم عليه، وتضافرت بذلك النصوص وتواترت على ذلك الروايات، من أن لله تعالى في كل واقعة حكما ثابتا لا يغيره علم ولا جهل، ولا أثر فيه لاجتهاد المجتهدين بوجه من الوجوه، والمجتهد قد يصل إليه وقد لا يصل إليه، فيخطأ حينذاك أو يصيب.
هذا مذهب أصحابنا عامة، ويخالفهم في ذلك العامة، فقد ذهبوا إلى أن كل مجتهد مصيب - على خلاف في كيفية هذه الإصابة - وعلى أي حال فإن كان غرضهم من هذه الإصابة هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء، بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي أحكام ظاهرية، فقد ذهب هاهنا بعض الأعلام من الأصحاب بأن هذا لا محالية فيه، وإنما هو مخالف لما تواتر من الأخبار، مضافا إلى الاجماع على أن لله تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه العالم بلا خلاف، وإن كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء المجتهدين بعد الاجتهاد، بمعنى أنه لا حكم هناك من رأس وإنما يخلق الحكم بعد اجتهاد المجتهدين، ويحصل بعد حصول آراء المستنبطين. فهذا القول يحلل إلى وجهين،