أن العسر لو سلم فيقتصر نفيه على موقعه خاصة ولا يتسرب إلى ما لا عسر فيه.
الرابع: حكم الفطرة والجبلة، فإن المناط والضابط فيها هو رجوع الجاهل إلى العالم، وكل من الأعلم والعالم عالم، فيجوز الرجوع إلى كل منهما، غاية الأمر: أنه لو اختلفا يكون من باب تعارض الطريقين، فيعمل فيه ما تقتضي به قواعد التعارض.
ويجاب عن ذلك بما سيأتي في طوايا أدلة المانعين، ستراه.
أما القائلون بالمنع المطلق فقد استدلوا أيضا بوجوه:
أحدها: دعوى نقل الاجماع على تقليد الأعلم، ورد بأن الاجماع قد يكون مستنده هو الأصل، فلا يستكشف منه قول المعصوم ورأيه، فلا حجية فيه، هذا إن كان محصلا، أما المنقول فلا حجية له في المقام من رأس.
الثاني: الأخبار الدالة على إرجاع الأئمة (عليهم السلام) إلى الأعلم من أصحابهم عند الحكومة في فصل الخصومة، وهي روايات منها المقبولة التي جاء فيها: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، إلى أن قال: فإن كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما أو كلاهما اختلفا في حديثكم. فقال: " الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر " (1) الحديث.
ومثل هذه الرواية: موسى بن أكيل، عن الصادق (عليه السلام)، عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما. قال: " كيف يختلفان؟ " قال: حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان.