هذه الوجوه التي ذكرها سيدنا المرتضى علم الهدى أعلى الله مقامه، وفيها الكفاية لنا عن استعراض غيرها مما هنا وهناك من الوجوه، لكن شيخنا المجاهد الحجة البلاغي أعلى الله مقامه ذكر في كتاب " الهدى " وجها آخر نذكره بنصه لا يعدم شيئا قيما من الفائدة، قال (قدس سره)، ما نصه:
والمراد منه: أن الذين كفروا تجري ألسنتهم في كفرهم بما لا يعقلون غلطه، ولا يتدبرون شططه، فكأنه ليس لهم سماع يسمعون بها ضلال أقوالهم وقبيح فلتاتهم، فإنها قد بلغت من الغلط والضلال حدا أن لا يعقله إلا من لم يسمعها أفيقول من لم يوقر الغي أذنيه: لا أتبع ما أنزل الله، بل أتبع ما ألفيت عليه آبائي؟ أفلا يسمع ما يقوله من الغلط والضلال فمثل الذين كفروا في ضلال أقوالهم هذه كمثل الأصم الذي ينطق بما لا يسمعه ولا يميز من مداليل كلماته إلا الصوت والدعاء والنداء، فكلامهم الغلط الفاسد إنما هو بالنسبة إلى غباوتهم عما هم فيه كنعيق من لا يسمع.
وهذا الذي ذكره شيخنا المجاهد طاب ثراه غير بعيد في باب الاحتمال، فللاحتمالات متسع في عالم العقل غير محدود، لكن لو نظرناه عن طريق الاستعمال قد نرى فيه شيئا أو بعض شئ من البعد لا ترضاه موارد الاستعمال، فإن الذي يفهم من كلام الشيخ (قدس سره) هو أن النعق في الآية وقع وصفا لكلام الكفار، في حين أن سوق الآية يقتضي كونه وصفا لكلام المتكلم معهم لا لكلامهم، كما تراه، مضافا إلى أن المتبادر من النعيق أن يكون داخلا على المنعوق به، وقد جعل على مقتضى كلام الشيخ داخلا على المنعوق، وهذا أيضا كما تراه.
ومن جملة ما وقع فيه الغلط والشطط في فهم آيات كتاب الله الكريم قوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * (1) فاعترضوا ذلك - وحاشا كرامة القرآن