دفعت به الحرية المطلقة إلى الهوة السحيقة والمهوى العميق.
ثانيها: الإيمان بأهلية المشرع لذلك التشريع، والاعتقاد بأحقيته في وضع ذلك النظام، وإلا لم يرضخ الرضوخ المطلوب، ولم يستجب لذلك النظام، ولم يتمسك بذلك التشريع.
ثالثها: اعتقاد المكلف بعدل النظام واعتداله، وأنه لا سرف فيه ولا تطفيف.
والآن، وقد أنهينا هذه الدعائم الثلاث، فلنعلم أن التشريع الإسلامي فيما له من الأحكام مدعوم بهذه الدعائم بكل إحكام، فهو حيث يعزز أحكامه بالحكم الباهر من إيجاد نفع أو دفع ضرر جمعت بين الحكمة والسهولة يعمل المكلف فيعلم أن تشريعا كهذا يدور به إلى المصلحة، ويدرء عنه المفسدة، حقيق بالاعتناق والقبول، وأن مشرعا كهذا يسهر على مصلحته لا يبتغي من وراء ذلك لنفسه نفعا ولا دفع ضرر، ولا يريد الجزاء ولا الشكور، لتشريع مرن لين يستجيب لكل حياة في مختلف شؤون الحياة.
نعم، إن تركز هذا وذلك وذاك في نفوس المكلفين، تركزت دعائم التشريع الثلاث وعاد المكلفون إلى اعتناق ذلك التشريع بشوق أكيد وحرص شديد، وما كل ذلك إلا لأنه دعم تشريعه بالإعلام بالمصالح والمفاسد والمنافع والمضار فيما في ذلك التشريع من أفعال وتروك، فلنأخذ بعنان اليراع إلى الجولان في ذلك الميدان، وإن كبا فما كبوة الجواد بالشئ العجيب.
إن من جملة ما أشار إليه القرآن الكريم من حكم الأحكام وفلسفة التشريع ما جاء في أمر الحيض من قوله تعالى: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم