أقول: ذهب علماء السنة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يجوز له الاجتهاد في بعض الأحكام، وذلك لكونه قادرا على الاستنباط من أحكام الله تعالى ولا مانع له من ذلك، واستدل هذا على عدم جوازه بوجوه:
الأول: بالآيات الدالة على وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى، وبعدم النطق عن الهوى، وبعدم جواز التبديل له من عند نفسه.
والجواب: إن الآيات لا تدل على عدم جواز الاجتهاد لأن المجتهد يحكم بما أنزل الله، لأن حكم الله إما مصرح أو مستنبط مما صرح به، والاجتهاد من هذا القسم، فهو حكم الله.
الثاني: عدم جواز مخالفته، مع الاجماع على جواز مخالفة المجتهد.
والجواب: إن هذا الجواز في مجتهد لا يكون صاحب الشرع فإن ما حصل من الاجتهاد هو النص، فكيف يجوز مخالفته.
الثالث: جواز الخطأ على المجتهد، بخلافه عليه الصلاة والسلام.
والجواب: ما سبق أن هذا في مجتهد لا يكون قوله نصا، ومن كان قوله نصا، فلا يجوز أن يحكم عليه بالخطأ.
الرابع: تأخير الأجوبة عن المسائل، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والجواب: ربما يكون التأخير لعدم حصول شرائط الاجتهاد والاشتغال بغيره من الشواغل الدينية مع أن هذا لازم في القول بعدم الاجتهاد، للزوم نزول الوحي عند السؤال وعدم جواز التأخير، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولو جاز في الوحي جاز في الاجتهاد.