المرحلة الثالثة: في أن عذاب القبر عام لكل ميت أم هو مخصوص ببعض الأموات؟
الذي يظهر من كثير من الأخبار أن هذا العذاب مخصوص بمن محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، أما من عدا ذلك فمرفوع عنه.
قال شيخنا المفيد (رضي الله عنه) - حسبما نقل عنه في جواب المسائل السروية (1) - حيث سئل: ما قولكم أدام الله تأييدكم في عذاب القبر وكيفيته؟ ومتى يكون؟ وهل ترد الأرواح إلى الأجساد عند التعذيب أم لا؟ وهل يكون العذاب في القبر أو يكون بين النفختين؟
قال أعلى الله مقامه في الجواب: الكلام في عذاب القبر طريقه السمع دون العقل، وقد ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) أنه ليس يعذب في القبر كل ميت، وإنما يعذب من جملتهم من محض الكفر محضا، ولا ينعم كل ماض لسبيله، وإنما ينعم منهم من محض الإيمان محضا، فأما من سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم.
وكذلك روي أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان خاصة، فعلى ما جاء به الأثر من ذلك يكون الحكم ما ذكرناه، وأما عذاب الكافر في قبره ونعيم المؤمن فيه فإن الخبر أيضا قد ورد بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جنانه ينعم فيها إلى يوم الساعة، فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي بلي في التراب وتمزق ثم أعاده إليه، وحشره إلى الموقف، وأمر به إلى جنة الخلد، فلا يزال منعما ببقاء الله عز وجل غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا، بل تعدل طباعه وتحسن صورته، فلا يهرم مع تعديل الطباع، ولا يمسه