المرحلة الثالثة: في بيان الفوائد، أو بعض الفوائد التي جعل بعض القرآن من أجلها محكما، وجعل بعضه متشابها، وقد طعن بعض من لا إيمان له في القرآن على هذه الناحية، حيث اشتمل على المتشابهات، فقال: إنكم تقولون: إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة، ثم إننا نراه يتمسك به كل ذي مذهب على مذهبه، فالجبري يتمسك بآيات الجبر كقوله تعالى: * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) * (1)، والقدري يقول: هذا مذهب الكفار، بدليل أنه تعالى حكى عن الكفار ذلك في معرض الذم لهم في قوله سبحانه: * (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر) * (2)، وقال في موضع آخر: * (وقالوا قلوبنا غلف) * (3)، وهذا أيضا من يرى ثبوت الرؤية في حق الله تعالى في الآخرة يتمسك بقوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * (4)، ومن ينفي ذلك يتمسك من القرآن نفسه في مثل قوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) * (5)، وهذا من يثبت الجهة لله تعالى يتمسك به في مثل قوله تعالى: * (يخافون ربهم من فوقهم) * (6)، وبمثل قوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) * (7)، ومن ينفي ذلك يتمسك بقوله تعالى: * (ليس كمثله شئ) * (8)، ثم هو الآمر الآخر، إن كل واحد من هؤلاء وهؤلاء، يسمي الآيات الموافقة لمذهبه محكمة، والآيات المخالفة لمذهبه
(٧٢)