وعنه (عليه السلام) قال: " إن الله تعالى لم يبد له من جهل ". (1) وعلى كل فالمعنى الصحيح للبداء - حيث ينسب إلى الخالق سبحانه على نحو يتناسب وقدس الخالق وكرامة الواجب، وهو الذي تقصده الإمامية حيث ينسبون إليه تعالى البداء، وهو الذي اقتبسوه من نور كلام من كلامهم نور، وهم الأنوار الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام) - يقصد منه أمور كل منها سالم عن المحاذير:
منها: ما نقل عن العلامة المجلسي (2) وهو: أنهم - يعني أهل البيت (عليهم السلام) - إنما بالغوا في البداء ردا على اليهود القائلين بأن الله تعالى فرغ من الأمر، وعلى النظام، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا، ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده والتقدم إنما يقع في ظهورها لا في وجودها وحدوثها، وأخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والبروز من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية، وأن الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلا في العقل الأول فهم يعزلونه تعالى عن ملكه وسلطانه، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء، وعلى آخرين منهم قالوا: إن الله سبحانه واحد أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهرية لا ترتب فيها باعتبار الصدور، بل إنما ترتبها في الأزمان فقط، كما أنه لا تترتب الأجسام المجتمعة زمانا وإنما ترتبها في المكان فقط، فنفوا (عليهم السلام) كل ذلك وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن، من إعدام شئ وإحداث آخر، وإماتة شخص وإحياء آخر، إلى غير ذلك، لئلا يترك العباد التضرع إلى الله سبحانه ومسألته وطاعته والتقرب إليه بما يصلح أمور دنياهم وعقباهم، وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة الأرحام وبر الوالدين والمعروف والإحسان ما وعدوا عليها من طول العمر وزيادة الرزق، وغير ذلك. انتهى كلامه رفع مقامه.