فإننا نقول: أولا: إن وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل ليس دليلا عقليا فحسب، ولا هو من أحكام العقلاء فقط، بل هو حكم الفطرة والغريزة قبل أن يكون حكم العقل والعقلاء، لذلك نراه موجودا في الحيوان فضلا عن وجوده في الانسان، ولذلك شواهد وشواهد من الحسن والعيان، وهما مغنيان عن البرهان.
وثانيا: إن الذي تنكره الأشعرية من حكم العقل بالحسن والقبيح هو ما كان بمعنى أنه شئ يستحق فاعله عليه المدح أو الذم في العاجل، والثواب أو العقاب في الآجل. أما ما كان بمعنى أنه شئ من النقص أو الكمال، أو بمعنى أنه يلائم الغرض أو ينافر الغرض فهو شئ اتفق عليه الجميع، واعترف الأشاعرة بأنه من مدركات العقل بلا كلام، ومما لا يشك فيه أن الاقدام على الضرر المظنون أو المحتمل نقص لا شك فيه، أو شئ ينافي الغرض وينافره بلا ريب يعتريه.
ومع هذا وذاك سترى الحكم بوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل محل الاتفاق والوفاق الذي لا خلاف فيه، ومنه سترى أن هذا الدليل قد تم، والحمد لله على التمام.
هذا أحد وجوه تقرير الدليل العقلي على حرمة العمل بالقياس عقلا، ولنكتف به فإن فيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أما الوجه الثاني: وهو تقرير الدليل العقلي على حرمة القياس شرعا، فهو أيضا مقرر على وجوه نكتفي بالبعض منها، فإن القليل قد يغني عن الكثير إذا ألمس شيئا من الحقيقة المنشودة، وأوقف الطالب على الحق المطلوب.
من تلك الوجوه: ما ذكروه من أن مبنى شرعنا المقدس على الفرق بين المتماثلات، كإيجاب الغسل بالمني دون البول، وكلاهما خارج من أحد السبيلين،