الأصول المعروف ب " العدة " (1) في أول بحث الاجتهاد:
اعلم أن كل أمر لا يجوز تغييره عما هو عليه، من وجوب إلى حظر - يعني منع - ومن حسن إلى قبيح، فلا خلاف بين أهل العلم المحصلين أن الاجتهاد في ذلك لا يختلف، وأن الحق فيه واحد، وأن من خالفه ضال فاسق وربما كان كافرا، وذلك نحو القول بأن العالم قديم أو محدث، وإذا كان محدثا هل له صانع أم لا؟
والكلام في صفات الصانع وتوحيده وعدله والكلام في النبوة والإمامة وغير ذلك، وكذلك الكلام في أن الظلم والعبث والكذب قبيح على كل حال، وأن شكر المنعم ورد الوديعة والإنصاف حسن على كل حال، وما يجري مجرى ذلك، وإنما قالوا ذلك لأن هذه الأشياء لا يصح تغييرها في نفسها ولا خروجها عن صنعتها التي هي عليها. ألا ترى أن العالم إذا ثبت أنه محدث فاعتقاد من اعتقد أنه قديم لا يكون إلا جهلا، والجهل لا يكون إلا قبيحا، وكذلك إذا ثبت أن له صانعا، فاعتقاد من اعتقد أنه ليس له صانع لا يكون إلا جهلا، وكذلك القول في صفاته وتوحيده وعدله، وكذلك إذا ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) صادق فاعتقاد من اعتقد كذبه لا يكون إلا جهلا، وكذلك المسائل الباقية.
وحكي عن قوم شذاذ لا يعتقد بأقوالهم أنهم قالوا: إن كل مجتهد مصيب، وقولهم باطل بما قلناه.
وأما ما يصح تغييرا في نفسه وخروجه من الحسن إلى القبيح، ومن الحظر إلى الإباحة فلا خلاف بين أهل العلم أنه كان يجوز أن تختلف المصلحة في ذلك، فما يكون حسنا من زيد يكون قبيحا من عمرو، وما يقبح من زيد في حال بعينها يحسن منه في حالة أخرى، ويختلف ذلك بحسب اختلاف أحوالهم وبحسب اجتهاداتهم،