بين هذه الآيات؟
وأجيب عن ذلك: بأن المراد بالمحكم في الآية التي دلت على أن آيات القرآن كلها محكمة هو كون كلامه - أعني القرآن - حقا فصيح الألفاظ، صحيح المعاني، وكل كلام غير القرآن هو دون كلام القرآن في الإحكام والإتقان وفصاحة اللفظ وقوة المعنى، بحيث لا يتمكن أحد من إتيان كلام يساوي القرآن في هذه الأوصاف الفاضلة، وهذا جرى على ما جرى عليه العرب في أوصافهم للأشياء المحكمة المتقنة، كما تقول في البناء الوثيق والعهد الوثيق الذي لا يمكن حله: إنه محكم، فهذا معنى وصف القرآن كله بأنه محكم.
وأما ما دل على أنه بكليته متشابه، فالمراد منه أنه يشبه بعضه بعضا، على حد ما أشار إليه تعالى في آية ثانية بقوله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (1) يعني لو كان بعضه واردا على نقيض الآخر لاختلف فيه نسق الكلام، ولتفاوت في الفصاحة والركاكة، ومثل هذا التعبير بهذا المعنى ورد في قوله سبحانه في وصف نعيم الجنة: * (وأتوا به متشابها) * (2).
وأما ما دل على أن بعضه محكم، وبعضه متشابه - وهو هذه الآية الكريمة -، فالمقصود منها سيوافيك إن شاء الله تعالى في بعض هذه المرحلة الآتية.
المرحلة الثانية: في بيان معنى المحكم ومعنى المتشابه.
للمحكم والمتشابه معنيان: معنى في عرف اللغة، ومعنى في عرف الشرع أو أهل الشرع.