إن هذه الآية الكريمة دلت على وجوب التفقه في الدين، ودليل الوجوب فيها هو وجود (لولا) التحضيضية والتحضيض حث على الطلب، إذ هو الطلب الحثيث وليس معنى كونه طلبا حثيثا إلا عدم الرضا بتركه، وليس معنى ذلك إلا الوجوب. إذن فالآية تدل على وجوب التفقه، وليس التفقه في معناه إلا صيرورة المرء فقيها، ولا يصير المرء فقيها بحق يحق له إطلاق اسم الفقيه إلا حيث يكون من الإحاطة بمسائل الفقه ووسائله بمكان وإلا حيث يكون بملكة يستطيع معها أن يرجع الفرع إلى أصله، وأن يسلك إليه مسالكه عن طريق مداركه الخاصة، ويكون بذلك من المستنبطين الذين أمر الناس بالرجوع إليهم في الآية والرواية، وذلك هو الاجتهاد، فقد دلت الآية - عن طريق هذا التوجيه - على طلب الاجتهاد في الأحكام والفروع.
ولنا أن نقرر الآية بوجه آخر وعبارة ثانية، هو أن نقول: إن قوله تعالى:
* (ولينذروا قومهم) * إلى آخر الآية إن دل على شئ فإنما يدل على وجوب قبول المنذرين، لإنذار المنذرين، وإلا لغي وجوب الانذار إن لم يجب القبول، وهذا بمعناه إرجاع الناس إلى الفقهاء لأخذ معالم الدين وفروع الأحكام، ولا معنى لإرجاع العامي من الناس إلى عامي مثله يشاركه في قلة الاطلاع وقصور الباع، وما يشاكل ذلك من جهالة، فليس الارجاع إلا للمطلع المتتبع، وهذا عبارة ثانية عن إرجاع المقلدين إلى المجتهدين. فمن هنا وهناك تجلى لنا على ضوء هذه الآية الكريمة دلالة على كلا الطريقين من الاجتهاد والتقليد، فهاهنا مراحل:
المرحلة الأولى: في تعريف الاجتهاد وما هو في معناه أو حقيقته.
لا شك أن لهذا اللفظ أصلا في اللغة، ومعنى اصطلاحيا لعرف الأصوليين خاصة تحمل المشقة بالنظر إلى ما في اللفظ من تاء الافتعال الدالة على التكلف في معنى كل لفظ حلت فيه هذه التاء، وعرف في اصطلاح الأصوليين - حسبما نقل عن