إذ كثير مما خفيت الجهة فيه ربما يتراءى مماثلا لغيره، فما كلامنا هذا إلا في أقيسة لا يعلم تماثل الفرع مع الأصل فيها في الواقع ونفس الأمر، إذ كل قياس علم فيه الجامع مثلا من قبل الشارع، داخل في القياسين اللذين وافق أصحابنا الإمامية غيرهم في جواز العمل بهما، وهما ما كان منصوص العلة وما كان فيه التنبيه من الأدنى إلى الأعلى أو بالعكس، ومن البين أن ما عدا ذلك مما لا يعلم فيه الجامع، لا يورث القياس فيه ظنا يعتمد عليه في أحكام الشريعة، لأن المصالح الشرعية خفية غالبا، فجاز أن لا يكون ما هو مشترك في نظرنا منشأ مصلحة عند الشارع في شرعية الحكم.
هذا الجواب كله عن دعوى منع المماثلة أو المخالفة في تلك المتماثلات أو المتخالفات.
أما ما رتب على ذلك من أنه يستلزم انتفاء القول بالتحسين والتقبيح العقليين الثابتين عند الإمامية فقد أجيب عنه: بأن هذا توهم ضعيف في منتهى الضعف والركاكة، وذلك لأننا معاشر الإمامية وإن ادعينا أن الجهة والمقبحة في الفعل تقتضيان ترتب الأحكام، لكن لم ندع أن العقل مستقل بإدراك تلك الجهتين في جميع الموارد، بل قلنا: إن في بعض الموارد إنما ينكشفان على العقل بعد ورود الشرع، إذن ففي هذا القسم الذي لا يستقل العقل بإدراك جهة الفعل في نفس الأمر يشكل القياس، لا مطلقا حتى يستلزم الإشكال فيه الإشكال في القول بالحسن والقبح العقليين، فلا نقض ولا إبرام.
ومن تلك الوجوه - أعني وجوه تقرير الدليل العقلي على حرمة العمل بالقياس شرعا -: أن العمل بالقياس يؤدي إلى الاختلاف، فإن كل واحد من المجتهدين قد يستنبط علة غير علة الآخر فتختلف أحكام الله تعالى وتضطرب ولا يبقى لها ضابط، وقد قال الله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه