إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (1) وليس المراد من ذلك هو اختلاف الأمة في اعتقادها وتباينها وتضاد أقوالها وأفعالها، ولو كان هذا الاختلاف لها رحمة لكان اتفاقها - لو اتفقت - سخطا عليها ونقمة، وقد تضمن القرآن الكريم من الأمر بالاتفاق والائتلاف، والنهي عن التباين والاختلاف ما فيه بيان شاف.
إذن، فعلى ضوء هذا التأويل أو ببركة هذا التفسير يتجلى لنا أن الاختلاف في الآية الكريمة بمعنى التعاقب والموالاة بأن يجئ بعضهم عقب بعض، ويوالي أحدهم الآخر في الذهاب والإياب.
ومنها: أن المراد بالاختلاف هو اختلاف الأمة في هممها ورغباتها، أو اتجاهاتها الخاصة فهمة واحد منهم للفقه لضبط الأحكام المتعلقة بالأفعال، وهمة آخر في الكلام لحفظ العقائد فينتظم بها أمر المعاد وقانون العدل المقيم للنوع على حد اختلاف همم أصحاب الحرف والصناعات، ليقوم كل واحد منهم بحرفة وصناعة فيتم النظام في المعاش المعين لذلك الانتظام. وهذا الاختلاف رحمة، لأنه تعاون في المساهمة على شؤون الحياة، وتخصص كل بواجبه المفروض عليه من مساعدة أبناء جنسه في سد حاجته الخاصة، إذ ليس بالمقدور أن يقوم كل عامل بكل عمل، فما هو إلا التنويع والتوزيع، فهناك يتركز الشعور بالمسؤولية، وهناك التطبيق العملي مضافا إلى تركيز هذا الشعور.
وأنت - أيها القارئ الكريم - جد خبير بأن مبنى التأويل - أو التفسير - الأول على التصرف في مادة الاختلاف في حملها على غير ما يفهم منها أول وهلة من النظر من أنها بمعنى التباين والتضاد في العمل أو الاعتقاد حيث حملت على معنى التعاقب بكون مجئ البعض خلف البعض الآخر، أما مبنى التأويل أو التفسير الثاني