إلى أن قتل بخت نصر البابلي أكثرهم إلا أناسا قليلين منهم لا يفيد قولهم التواتر وبعث بهم بخت نصر إلى أصفهان، ولم يكن وصل منهم أحد إلى العجم قبل ذلك، فبنوا بها المدينة المعروفة باليهودية، والذي يشهد بعدم تواترهم أن التوراة بعد بخت نصر صارت ثلاث نسخ مختلفة:
إحداها: في أيدي القرابين والربانيين.
وثانيها: في أيدي السامرة.
وثالثها: النسخة المعروفة بتوراة السبعين التي اتفق عليها سبعون حبرا من أحبارهم، وهي التي في أيدي النصارى. وهذه النسخ مختلفة في التواريخ والأحكام الشرعية، ولو كان لهم تواتر لما حصل هذا الاختلاف، وسيأتي لهذا الكلام مزيد بيان في محل آخر إن شاء الله.
ثم إننا لو سلمنا ذلك، فلا نسلم أن لفظ التأييد نص في الدوام الذي لا انقطاع له، بل هو محتمل للأمد الطويل، ويدل عليه ما ورد في التوراة من قصة الفصيح وغيرها من العبارات مما لا نريد أن نطيل بها الكلام.
المرحلة الخامسة: أجمعوا على وقوع النسخ في القرآن، ولم يشذ إلا أبو مسلم بن بحر (1) فادعى أن النسخ لا يقع في القرآن، مستدلا على ذلك بأن الله تعالى وصف كتابه بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلو نسخ لكان قد أتاه الباطل.
وأجيب عن ذلك: بأن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله، ولا يأتيه من بعده ما يبطله على أحد التفاسير.