وإنما قالوا ذلك لأن هذه الأشياء تابعة للمصالح والألطاف، وما هذا حكمه فلا يمتنع أن يتغير الحال، ولهذه العلة جاز النسخ، ونقل المكلفين عما كانوا عليه إلى خلافه بحسب ما تقتضيه مصالحهم. انتهى ما أردنا نقله من كلامه زيد في علو مقامه.
المرحلة الرابعة: في ما يحتاج إليه المجتهدون من العلوم التي تكون شرائط لتحقق الاجتهاد، والضابط فيه تمكن المكلف من إقامة الأدلة على المسائل الشرعية الفرعية، وقد قالوا: إنما يتم بأمور:
أحدها: معرفة اللغة ومعاني الألفاظ الشرعية، لكن لا بمعنى اشتراط معرفة الجميع، بل المعرفة في الجملة كافية في المقام، وهو معرفة ما يحتاج إليه في مقام الاستدلال، وقد قالوا: لو راجع أصلا صحيحا عنده في معاني الألفاظ جازا، ويدخل في اللغة معرفة النحو والتصريف، وإنما احتاج المجتهد إلى ذلك لأن الشرع عربي، ذلك أن مدركه هما الكتاب والسنة، وكلاهما عربيان، فهما مشتملان على خصائص اللغة العربية مادة وهيئة. إذن فمعرفتهما محتاجة إلى معرفة اللغة العربية، ونظرا إلى أن معرفتهما واجبة فمعرفة اللغة العربية واجبة، لأن ما لا يتم معرفة الواجب إلا بمعرفته، معرفته واجبة.
ثانيها: معرفة التفسير، لكن بالصورة التي يحتاج إلى معرفة اللغة، أعني: أن الجملة فيها كافية عن التفصيل، وإنما وجب ذلك لأن معرفة علم التفسير معناه:
معرفة مراد الله تعالى في كلامه، وجهل ذلك جهل باستنباط الأحكام الشرعية، في حين أن الكتاب الكريم أول مدرك لمعرفة الأحكام، فكان لزاما على هذا معرفة علم التفسير بالضرورة، ومن معرفة علم التفسير معرفة علم الكلام، أعني: معرفة أصول العقائد عن طريق العلم والاستدلال، وذلك أن معرفة مراد الله تعالى من اللفظ إنما يتم لو عرف أنه تعالى لا يخاطب بما لا يفهم معناه ولا بما يريد به خلاف ظاهره من